قوله تعالى : 
ياأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون 
فيه مسألة واحدة : 
وهي الأمر بوقاية الإنسان نفسه وأهله النار . قال 
الضحاك    : معناه قوا أنفسكم ، وأهلوكم فليقوا أنفسهم نارا . وروى 
علي بن أبي طلحة  عن 
ابن عباس    : قوا أنفسكم وأمروا أهليكم بالذكر والدعاء حتى يقيهم الله بكم   . وقال 
علي  رضي الله عنه 
وقتادة  ومجاهد    : قوا أنفسكم بأفعالكم وقوا أهليكم بوصيتكم   . 
 nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي    : وهو الصحيح ، والفقه الذي يعطيه العطف الذي يقتضي التشريك بين المعطوف والمعطوف عليه في معنى الفعل ; كقوله : 
علفتها تبنا وماء باردا 
وكقوله : 
ورأيت زوجك في الوغى     متقلدا سيفا ورمحا 
فعلى الرجل أن يصلح نفسه بالطاعة ، ويصلح أهله إصلاح الراعي للرعية . ففي صحيح الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=831449  " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، فالإمام الذي على الناس راع وهو مسئول عنهم ، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم "   . وعن هذا عبر 
الحسن  في هذه الآية بقوله : يأمرهم وينهاهم . وقال بعض العلماء لما قال : قوا أنفسكم دخل فيه الأولاد ; لأن الولد بعض منه . كما دخل في قوله تعالى : 
ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم  [ ص: 180 ] فلم يفردوا بالذكر إفراد سائر القرابات . فيعلمه الحلال والحرام ، ويجنبه المعاصي والآثام ، إلى غير ذلك من الأحكام . وقال عليه السلام : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=865276حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه ويعلمه الكتابة ويزوجه إذا بلغ   . وقال عليه السلام : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=831450  " ما نحل والد ولدا أفضل من أدب حسن "   . وقد روى 
عمرو بن شعيب  عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم 
nindex.php?page=hadith&LINKID=831451  " مروا أبناءكم بالصلاة لسبع ، واضربوهم عليها لعشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع "   . خرجه جماعة من أهل الحديث . وهذا لفظ 
أبي داود    . وخرج أيضا عن 
سمرة بن جندب  قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=831452  " مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين ، فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها "   . وكذلك يخبر أهله بوقت الصلاة ووجوب الصيام ووجوب الفطر إذا وجب ; مستندا في ذلك إلى رؤية الهلال . وقد روى 
مسلم  nindex.php?page=hadith&LINKID=831453أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوتر يقول : " قومي فأوتري يا عائشة "    . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=865281  " رحم الله امرأ قام من الليل فصلى فأيقظ أهله ، فإن لم تقم رش وجهها بالماء ، رحم الله امرأة قامت من الليل تصلي وأيقظت زوجها ، فإذا لم يقم رشت على وجهه من الماء "   . ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : " أيقظوا صواحب الحجر " . ويدخل هذا في عموم قوله تعالى : 
وتعاونوا على البر والتقوى   . وذكر 
القشيري  أن عمر  رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية :   [ ص: 181 ] يا رسول الله ، نقي أنفسنا ، فكيف لنا بأهلينا ؟ . فقال : " تنهونهم عما نهاكم الله وتأمرونهم بما أمر الله "   . وقال 
مقاتل    : ذلك حق عليه في نفسه وولده وأهله وعبيده وإمائه . قال 
الكيا    : فعلينا تعليم أولادنا وأهلينا الدين والخير ، وما لا يستغنى عنه من الأدب . وهو قوله تعالى : 
وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها   . ونحو قوله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم : 
وأنذر عشيرتك الأقربين   . . وفي الحديث : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=831454  " مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع "   . 
وقودها الناس والحجارة تقدم في سورة " البقرة " . 
عليها ملائكة غلاظ شداد يعني 
الملائكة الزبانية غلاظ القلوب لا يرحمون إذا استرحموا ، خلقوا من الغضب ، وحبب إليهم عذاب الخلق كما حبب لبني 
آدم  أكل الطعام والشراب . شداد أي شداد الأبدان . وقيل : غلاظ الأقوال شداد الأفعال . وقيل غلاظ في أخذهم أهل النار شداد عليهم . يقال : فلان شديد على فلان ; أي قوي عليه يعذبه بأنواع العذاب . وقيل : أراد بالغلاظ ضخامة أجسامهم ، وبالشدة القوة . قال 
ابن عباس    : ما بين منكبي الواحد منهم مسيرة سنة ، وقوة الواحد منهم أن يضرب بالمقمع فيدفع بتلك الضربة سبعين ألف إنسان في قعر جهنم . وذكر 
ابن وهب  قال : وحدثنا 
عبد الرحمن بن زيد  قال : 
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خزنة جهنم : " ما بين منكبي أحدهم كما بين المشرق والمغرب " . 
قوله تعالى : 
لا يعصون الله ما أمرهم أي لا يخالفونه في أمره من زيادة أو نقصان . 
ويفعلون ما يؤمرون أي في وقته ، فلا يؤخرونه ولا يقدمونه . وقيل أي لذتهم في امتثال أمر الله ; كما أن سرور أهل الجنة في الكون في الجنة ; ذكره بعض 
المعتزلة    . وعندهم أنه يستحيل التكليف غدا . ولا يخفى معتقد أهل الحق في أن الله يكلف العبد اليوم وغدا ، ولا ينكر التكليف في حق الملائكة . ولله أن يفعل ما يشاء .  
[ ص: 182 ]