صفحة جزء
[ ص: 231 ] سورة الانشقاق

مكية في قول الجميع . وهي خمس وعشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت وإذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخلت وأذنت لربها وحقت

قوله تعالى : إذا السماء انشقت أي انصدعت ، وتفطرت بالغمام ، والغمام مثل السحاب الأبيض . وكذا روى أبو صالح عن ابن عباس . وروي عن علي - عليه السلام - قال : تشق من المجرة . وقال : المجرة باب السماء . وهذا من أشراط الساعة وعلاماتها .

وأذنت لربها وحقت أي سمعت ، وحق لها أن تسمع . روي معناه عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما ; ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - : " ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن " أي ما استمع الله لشيء قال الشاعر :


صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا

[ ص: 232 ] أي سمعوا . وقال قعنب بن أم صاحب :


إن يأذنوا ريبة طاروا بها فرحا     وما هم أذنوا من صالح دفنوا

وقيل : المعنى وحقق الله عليها الاستماع لأمره بالانشقاق . وقال الضحاك : حقت : أطاعت ، وحق لها أن تطيع ربها ، لأنه خلقها ; يقال : فلان محقوق بكذا . وطاعة السماء : بمعنى أنها لا تمتنع مما أراد الله بها ، ولا يبعد خلق الحياة فيها حتى تطيع وتجيب . وقال قتادة : حق لها أن تفعل ذلك ; ومنه قول كثير :


فإن تكن العتبى فأهلا ومرحبا     وحقت لها العتبى لدينا وقلت

وقوله تعالى : وإذا الأرض مدت أي بسطت ودكت جبالها . قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " تمد مد الأديم " لأن الأديم إذا مد زال كل انثناء فيه وامتد واستوى . قال ابن عباس وابن مسعود : ويزاد وسعتها كذا وكذا ; لوقوف الخلائق عليها للحساب حتى لا يكون لأحد من البشر إلا موضع قدمه ، لكثرة الخلائق فيها . وقد مضى في سورة ( إبراهيم ) أن الأرض تبدل بأرض أخرى وهي الساهرة في قول ابن عباس على ما تقدم عنه .

وألقت ما فيها وتخلت أي أخرجت أمواتها ، وتخلت عنهم . وقال ابن جبير : ألقت ما في بطنها من الموتى ، وتخلت ممن على ظهرها من الأحياء . وقيل : ألقت ما في بطنها من كنوزها ومعادنها ، وتخلت منها . أي خلا جوفها ، فليس في بطنها شيء ، وذلك يؤذن بعظم الأمر ، كما تلقي الحامل ما في بطنها عند الشدة . وقيل : تخلت مما على ظهرها من جبالها وبحارها . وقيل : ألقت ما استودعت ، وتخلت مما استحفظت ; لأن الله تعالى استودعها عباده أحياء وأمواتا ، واستحفظها بلاده مزارعة وأقواتا .

وأذنت لربها أي في إلقاء موتاها ( وحقت ) أي وحق لها أن تسمع أمره . واختلف في جواب ( إذا ) فقال الفراء : أذنت . والواو زائدة ، وكذلك ( وألقت ) . ابن الأنباري : قال بعض المفسرين : جواب إذا السماء انشقت ( أذنت ) ، وزعم أن الواو مقحمة وهذا غلط ; لأن العرب لا تقحم الواو إلا مع ( حتى - إذا ) كقوله تعالى : حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها ومع ( لما ) كقوله تعالى : فلما أسلما وتله للجبين وناديناه معناه ناديناه والواو لا تقحم مع غير هذين . وقيل : الجواب فاء مضمرة كأنه قال : إذا السماء انشقت فيا أيها الإنسان إنك كادح . وقيل : جوابها ما دل عليه ( فملاقيه ) أي إذا السماء انشقت [ ص: 233 ] لاقى الإنسان كدحه . وقيل : فيه تقديم وتأخير ، أي يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه إذا السماء انشقت . قاله المبرد . وعنه أيضا : الجواب فأما من أوتي كتابه بيمينه وهو قول الكسائي ; أي إذا السماء انشقت فمن أوتي كتابه بيمينه فحكمه كذا . قال أبو جعفر النحاس : وهذا أصح ما قيل فيه وأحسنه . قيل : هو بمعنى اذكر إذا السماء انشقت . وقيل : الجواب محذوف لعلم المخاطبين به ; أي إذا كانت هذه الأشياء علم المكذبون بالبعث ضلالتهم وخسرانهم . وقيل : تقدم منهم سؤال عن وقت القيامة ، فقيل لهم : إذا ظهرت أشراطها كانت القيامة ، فرأيتم عاقبة تكذيبكم بها . والقرآن كالآية الواحدة في دلالة البعض على البعض . وعن الحسن : إن قوله إذا السماء انشقت قسم . والجمهور على خلاف قوله من أنه خبر وليس بقسم .

التالي السابق


الخدمات العلمية