قوله تعالى : 
فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا قوله تعالى : فسبح بحمد ربك واستغفره أي إذا صليت فأكثر من ذلك . وقيل : معنى سبح : صل ؛ عن 
ابن عباس    : بحمد ربك أي حامدا له على ما آتاك من الظفر والفتح .   
[ ص: 206 ] واستغفره أي : سل الله الغفران . وقيل : فسبح المراد به : التنزيه ؛ أي نزهه عما لا يجوز عليه مع شكرك له . واستغفره أي : سل الله الغفران مع مداومة الذكر . والأول أظهر . روى الأئمة ( واللفظ للبخاري ) عن 
عائشة    - رضي الله عنها - قالت : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500618ما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة بعد أن نزلت عليه سورة : إذا جاء نصر الله والفتح ، إلا يقول : سبحانك ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي وعنها قالت : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500619كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده : سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي   . يتأول القرآن . 
وفي غير الصحيح : وقالت 
أم سلمة    : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500620كان النبي - صلى الله عليه وسلم - آخر أمره لا يقوم ولا يقعد ولا يجيء ولا يذهب إلا قال : " سبحان الله وبحمده ، أستغفر الله وأتوب إليه - قال - فإني أمرت بها - ثم قرأ - إذا جاء نصر الله والفتح إلى آخرها " . وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة    : اجتهد النبي بعد نزولها ، حتى تورمت قدماه . ونحل جسمه ، وقل تبسمه ، وكثر بكاؤه . وقال 
عكرمة    : لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - قط أشد اجتهادا في أمور الآخرة ما كان منه عند نزولها . وقال 
مقاتل    : لما نزلت قرأها النبي - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه ، ومنهم 
أبو بكر  وعمر   nindex.php?page=showalam&ids=37وسعد بن أبي وقاص ،   ففرحوا واستبشروا ، 
وبكى العباس ؛  فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما يبكيك يا عم ؟ " قال : نعيت إليك نفسك . قال : " إنه لكما تقول " ؛ فعاش بعدها ستين يوما ، ما رئي فيها ضاحكا مستبشرا . 
وقيل : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500622نزلت في منى  بعد أيام التشريق ، في حجة الوداع ، فبكى عمر  والعباس ،  فقيل لهما : إن هذا يوم فرح ، فقالا : بل فيه نعي النبي - صلى الله عليه وسلم - . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " صدقتما ، نعيت إلي نفسي " . وفي 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري  وغيره عن 
ابن عباس  قال : كان 
عمر بن الخطاب  يأذن 
لأهل بدر ،   ويأذن لي معهم . قال : فوجد بعضهم من ذلك ، فقالوا : يأذن لهذا الفتى معنا ومن أبنائنا من هو مثله ، فقال لهم 
عمر    : إنه من قد علمتم . قال : فأذن لهم ذات يوم ، وأذن لي معهم ، فسألهم عن هذه السورة : 
إذا جاء نصر الله والفتح فقالوا : أمر الله جل وعز نبيه - صلى الله عليه وسلم - إذا فتح عليه أن يستغفره ، وأن يتوب إليه . فقال : ما تقول يا 
ابن عباس ؟  قلت : ليس كذلك ، ولكن أخبر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - حضور أجله ، فقال : 
إذا جاء نصر الله والفتح ، فذلك علامة موتك .   
[ ص: 207 ] فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا   . فقال 
عمر    - رضي الله عنه - : تلومونني عليه ؟ وفي 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري  فقال 
عمر    : ما أعلم منها إلا ما تقول . ورواه 
الترمذي ،  قال : كان 
عمر  يسألني مع أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال له 
عبد الرحمن بن عوف    : أتسأله ولنا بنون مثله ؟ فقال له 
عمر    : إنه من حيث نعلم . فسأله عن هذه الآية : إذا جاء نصر الله والفتح . فقلت : إنما هو أجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أعلمه إياه ؛ وقرأ السورة إلى آخرها . فقال له 
عمر    : والله ما أعلم منها إلا ما تعلم . قال : هذا حديث حسن صحيح . فإن قيل : فماذا يغفر للنبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يؤمر بالاستغفار ؟ قيل له : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500623كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في دعائه : رب اغفر لي خطيئتي وجهلي ، وإسرافي في أمري كله ، وما أنت أعلم به مني . اللهم اغفر لي خطئي وعمدي ، وجهلي وهزلي ، وكل ذلك عندي . اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أعلنت وما أسررت ، أنت المقدم وأنت المؤخر ، إنك على كل شيء قدير   . فكان - صلى الله عليه وسلم - يستقصر نفسه لعظم ما أنعم الله به عليه ، ويرى قصوره عن القيام بحق ذلك ذنوبا . ويحتمل أن يكون بمعنى : كن متعلقا به ، سائلا راغبا ، متضرعا على رؤية التقصير في أداء الحقوق ؛ لئلا ينقطع إلى رؤية الأعمال . وقيل : الاستغفار تعبد يجب إتيانه ، لا للمغفرة ، بل تعبدا . وقيل : ذلك تنبيه لأمته ، لكيلا يأمنوا ويتركوا الاستغفار . وقيل : واستغفره أي استغفر لأمتك . 
إنه كان توابا أي على المسبحين والمستغفرين ، يتوب عليهم ويرحمهم ، ويقبل توبتهم . وإذا كان - عليه السلام - وهو معصوم يؤمر بالاستغفار ، فما الظن بغيره ؟ روى 
مسلم  عن 
عائشة  قالت : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500624كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر من قول : سبحان الله وبحمده ، أستغفر الله وأتوب إليه . فقال : " خبرني ربي أني سأرى علامة في أمتي ، فإذا رأيتها أكثرت من قول سبحان الله وبحمده ، أستغفر الله وأتوب إليه ، فقد رأيتها : إذا جاء نصر الله والفتح   - فتح مكة    - ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا   " . وقال 
ابن عمر    : نزلت هذه السورة 
بمنى  في حجة الوداع ؛ ثم نزلت 
اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي  [ ص: 208 ] فعاش بعدهما النبي - صلى الله عليه وسلم - ثمانين يوما . ثم نزلت آية الكلالة ، فعاش بعدها خمسين يوما . ثم نزل 
لقد جاءكم رسول من أنفسكم فعاش بعدها خمسة وثلاثين يوما . ثم نزل 
واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله فعاش بعدها أحدا وعشرين يوما   . وقال 
مقاتل  سبعة أيام . وقيل غير هذا مما تقدم في ( البقرة ) بيانه والحمد لله .