1. الرئيسية
  2. تفسير القرطبي
  3. باب كيفية التلاوة لكتاب الله تعالى وما يكره منها وما يحرم واختلاف الناس في ذلك
صفحة جزء
روى البخاري عن قتادة قال : سألت أنسا عن قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : كان يمد مدا إذا قرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، يمد بسم الله ، ويمد بالرحمن ، ويمد بالرحيم .

وروى الترمذي عن أم سلمة قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقطع قراءته يقول : الحمد لله رب العالمين [ الفاتحة : 2 ] ثم يقف الرحمن الرحيم [ الفاتحة : 3 ] ثم يقف ، وكان يقرأها : ( ملك يوم الدين ) [ الفاتحة : 4 ] قال : حديث غريب . وأخرجه أبو داود بنحوه .

وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : أحسن الناس صوتا من إذا قرأ رأيته يخشى الله تعالى .

وروي عن زياد النميري أنه جاء مع القراء إلى أنس بن مالك فقيل له : اقرأ . فرفع صوته وطرب ، وكان رفيع الصوت ، فكشف أنس عن وجهه ، وكان على وجهه خرقة سوداء فقال : يا هذا ، ما هكذا كانوا يفعلون ! وكان إذا رأى شيئا ينكره ، كشف الخرقة عن وجهه . وروي عن قيس بن عباد أنه [ ص: 30 ] قال : كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكرهون رفع الصوت عند الذكر . وممن روى عنه كراهة رفع الصوت عند قراءة القرآن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والقاسم بن محمد والحسن وابن سيرين والنخعي وغيرهم ، وكرهه مالك بن أنس وأحمد بن حنبل ; كلهم كره رفع الصوت بالقرآن والتطريب فيه . روي عن سعيد بن المسيب أنه سمع عمر بن عبد العزيز يؤم الناس فطرب في قراءته ; فأرسل إليه سعيد يقول : أصلحك الله ! إن الأئمة لا تقرأ هكذا . فترك عمر التطريب بعد . وروي عن القاسم بن محمد : أن رجلا قرأ في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - فطرب ; فأنكر ذلك القاسم وقال : يقول الله عز وجل : وإنه لكتاب عزيز [ فصلت : 41 ] لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه [ فصلت : 42 ] الآية .

وروي عن مالك أنه سئل عن النبر في قراءة القرآن في الصلاة ; فأنكر ذلك وكرهه كراهة شديدة ، وأنكر رفع الصوت به . وروى ابن القاسم عنه أنه سئل عن الألحان في الصلاة فقال : لا يعجبني ، وقال : إنما هو غناء يتغنون به ليأخذوا عليه الدراهم . وأجازت طائفة رفع الصوت بالقرآن والتطريب به ; وذلك لأنه إذا حسن الصوت به كان أوقع في النفوس وأسمع في القلوب ، واحتجوا بقوله عليه السلام : زينوا القرآن بأصواتكم رواه البراء بن عازب . أخرجه أبو داود والنسائي . وبقوله عليه السلام : ليس منا من لم يتغن بالقرآن أخرجه مسلم . وبقول أبي موسى للنبي - صلى الله عليه وسلم - : لو أعلم أنك تستمع لقراءتي لحبرته لك تحبيرا . وبما رواه عبد الله بن مغفل قال : قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح في مسير له سورة الفتح على راحلته فرجع في قراءته . وممن ذهب إلى هذا أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وابن المبارك والنضر بن شميل ، وهو اختيار أبي جعفر الطبري وأبي الحسن بن بطال والقاضي أبي بكر بن العربي وغيرهم .

قلت : القول الأول أصح لما ذكرناه ويأتي . وأما ما احتجوا به من الحديث الأول فليس على ظاهره ، وإنما هو من باب المقلوب ; أي زينوا أصواتكم بالقرآن . قال الخطابي : وكذا فسره غير واحد من أئمة الحديث : زينوا أصواتكم بالقرآن ; وقالوا هو من باب المقلوب ; كما قالوا : عرضت الحوض على الناقة ، وإنما هو عرضت الناقة على الحوض . قال : ورواه معمر عن منصور عن طلحة ; فقدم الأصوات على القرآن ، وهو الصحيح .

قال الخطابي : ورواه طلحة عن عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : زينوا القرآن بأصواتكم . أي الهجوا بقراءته واشغلوا به أصواتكم واتخذوه شعارا وزينة ; وقيل : معناه الحض على قراءة القرآن والدءوب عليه . وقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : زينوا أصواتكم بالقرآن . وروي عن عمر أنه قال : حسنوا أصواتكم بالقرآن . [ ص: 31 ]

قلت : وإلى هذا المعنى يرجع قوله عليه السلام : ليس منا من لم يتغن بالقرآن أي ليس منا من لم يحسن صوته بالقرآن ; كذلك تأوله عبد الله بن أبي مليكة . قال عبد الجبار بن الورد : سمعت ابن أبي مليكة يقول : قال عبد الله بن أبي يزيد : مر بنا أبو لبابة فاتبعناه حتى دخل بيته ، فإذا رجل رث الهيئة ، فسمعته يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ليس منا من لم يتغن بالقرآن . قال : فقلت لابن أبي مليكة : يا أبا محمد ، أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت ؟ قال : يحسنه ما استطاع . ذكره أبو داود ، وإليه يرجع أيضا قول أبي موسى للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إني لو علمت أنك تستمع لقراءتي لحسنت صوتي بالقرآن ، وزينته ورتلته . وهذا يدل أنه كان يهذ في قراءته مع حسن الصوت الذي جبل عليه . والتحبير : التزيين والتحسين ; فلو علم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسمعه لمد في قراءته ورتلها ; كما كان يقرأ على النبي - صلى الله عليه وسلم - ; فيكون ذلك زيادة في حسن صوته بالقراءة . ومعاذ الله أن يتأول على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول : إن القرآن يزين بالأصوات أو بغيرها ; فمن تأول هذا فقد واقع أمرا عظيما أن يحوج القرآن إلى من يزينه ، وهو النور والضياء والزين الأعلى لمن ألبس بهجته واستنار بضيائه . وقد قيل : إن الأمر بالتزيين اكتساب القراءات وتزيينها بأصواتنا وتقدير ذلك ، أي زينوا القراءة بأصواتكم ; فيكون القرآن بمعنى القراءة ، كما قال تعالى : وقرآن الفجر [ الإسراء : 78 ] أي قراءة الفجر ، وقوله : فإذا قرأناه فاتبع قرآنه [ القيامة : 18 ] أي قراءته . وكما جاء في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو قال : إن في البحر شياطين مسجونة أوثقها سليمان عليه السلام ، ويوشك أن تخرج فتقرأ على الناس قرآنا ; أي قراءة . وقال الشاعر في عثمان رضي الله عنه :


ضحوا بأشمط عنوان السجود به يقطع الليل تسبيحا وقرآنا



أي قراءة . فيكون معناه على هذا التأويل صحيحا إلا أن يخرج القراءة التي هي التلاوة عن حدها - على ما نبينه - فيمتنع . وقد قيل : إن معنى يتغنى به ، يستغني به من الاستغناء الذي هو ضد الافتقار ، لا من الغناء ; يقال : تغنيت وتغانيت بمعنى استغنيت . وفي الصحاح : تغنى الرجل بمعنى استغنى ، وأغناه الله . وتغانوا أي استغنى بعضهم عن بعض . قال المغيرة بن حبناء التيمي :


كلانا غني عن أخيه حياته     ونحن إذا متنا أشد تغانيا

وإلى هذا التأويل ذهب سفيان بن عيينة ووكيع بن الجراح ، ورواه سفيان عن سعد بن أبي وقاص . وقد روي عن سفيان أيضا وجه آخر ، ذكره إسحاق بن راهويه ، أي : يستغنى به عما سواه من الأحاديث . وإلى هذا التأويل ذهب البخاري محمد بن إسماعيل لإتباعه الترجمة بقوله تعالى : أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم [ العنكبوت : 51 ] . والمراد الاستغناء بالقرآن عن [ ص: 32 ] علم أخبار الأمم قاله أهل التأويل . وقيل : إن معنى يتغنى به ، يتحزن به ; أي يظهر على قارئه الحزن الذي هو ضد السرور عند قراءته وتلاوته ، وليس من الغنية ; لأنه لو كان من الغنية لقال : يتغانى به ، ولم يقل يتغنى به . ذهب إلى هذا جماعة من العلماء : منهم الإمام أبو محمد بن حبان البستي ، واحتجوا بما رواه مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء . الأزيز ( بزايين ) : صوت الرعد وغليان القدر . قالوا : ففي هذا الخبر بيان واضح على أن المراد بالحديث التحزن ; وعضدوا هذا أيضا بما رواه الأئمة عن عبد الله قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : اقرأ علي ! ، فقرأت عليه سورة النساء " حتى إذا بلغت فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا [ النساء : 41 ] فنظرت إليه فإذا عيناه تدمعان . فهذه أربع تأويلات ، ليس فيها ما يدل على القراءة بالألحان والترجيع فيها . وقال أبو سعيد بن الأعرابي في قوله - صلى الله عليه وسلم - : ليس منا من لم يتغن بالقرآن قال : كانت العرب تولع بالغناء والنشيد في أكثر أقوالها ، فلما نزل القرآن أحبوا أن يكون القرآن هجيراهم مكان الغناء ; فقال : ليس منا من لم يتغن بالقرآن .

التأويل الخامس : ما تأوله من استدل به على الترجيع والتطريب ; فذكر عمر بن شبة قال : ذكرت لأبي عاصم النبيل تأويل ابن عيينة في قوله : " يتغن " يستغنى ; فقال : لم يصنع ابن عيينة شيئا . وسئل الشافعي عن تأويل ابن عيينة فقال : نحن أعلم بهذا ، لو أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - الاستغناء لقال : من لم يستغن ، ولكن لما قال : " يتغن " علمنا أنه أراد التغني . قال الطبري : المعروف عندنا في كلام العرب أن التغني إنما هو الغناء الذي هو حسن الصوت بالترجيع . وقال الشاعر :


تغن بالشعر مهما كنت قائله     إن الغناء بهذا الشعر مضمار

قال : وأما ادعاء الزاعم أن " تغنيت " بمعنى " استغنيت " فليس في كلام العرب وأشعارها ، ولا نعلم أحدا من أهل العلم قاله ; وأما احتجاجه بقول الأعشى :


وكنت امرءا زمنا بالعراق     عفيف المناخ طويل التغن



وزعم أنه أراد الاستغناء فإنه غلط منه ، وإنما عنى الأعشى في هذا الموضع : الإقامة ، من قول العرب : غني فلان بمكان كذا أي أقام ; ومنه قوله تعالى : كأن لم يغنوا فيها [ الأعراف : 92 ] ، وأما استشهاده بقوله :


ونحن إذا متنا أشد تغانيا

فإنه إغفال منه ; وذلك أن التغاني تفاعل من نفسين إذا استغنى كل واحد منهما عن صاحبه ; كما يقال : تضارب الرجلان ، إذا ضرب كل واحد منهما صاحبه . ومن قال هذا في فعل الاثنين لم [ ص: 33 ] يجز أن يقول مثله في الواحد ; فغير جائز أن يقال : تغانى زيد وتضارب عمرو ، وكذلك غير جائز أن يقال : تغنى بمعنى استغنى .

قلت : ما ادعاه الطبري من أنه لم يرد في كلام العرب تغنى بمعنى استغنى ، فقد ذكره الجوهري كما ذكرنا ، وذكره الهروي أيضا . وأما قوله : أن صيغة " فاعل " إنما تكون من اثنين فقد جاءت من واحد في مواضع كثيرة ; منها قول ابن عمر : وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام . وتقول العرب : طارقت النعل وعاقبت اللص وداويت العليل ، وهو كثير ; فيكون " تغانى " منها . وإذا احتمل قوله عليه الصلاة والسلام : " يتغن " ، الغناء والاستغناء فليس حمله على أحدهما بأولى من الآخر ، بل حمله على الاستغناء أولى لو لم يكن لنا تأويل غيره ، لأنه مروي عن صحابي كبير كما ذكر سفيان . وقد قال ابن وهب في حق سفيان : ما رأيت أعلم بتأويل الأحاديث من سفيان بن عيينة ، ومعلوم أنه رأى الشافعي وعاصره .

وتأويل سادس : وهو ما جاء من الزيادة في صحيح مسلم عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به قال الطبري : ولو كان كما قال ابن عيينة لم يكن لذكر " حسن الصوت " والجهر به معنى . قلنا قوله : ( يجهر به ) لا يخلو أن يكون من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أو من قول أبي هريرة أو غيره ، فإن كان الأول وفيه بعد ، فهو دليل على عدم التطريب والترجيع ، لأنه لم يقل : يطرب به ، وإنما قال : يجهر به ، أي يسمع نفسه ومن يليه ; بدليل قوله عليه السلام للذي سمعه وقد رفع صوته بالتهليل : أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لستم تدعون أصم ولا غائبا . . . الحديث . وسيأتي . كذلك إن كان من صحابي أو غيره فلا حجة فيه على ما راموه ; وقد اختار هذا التأويل بعض علمائنا فقال : وهذا أشبه ، لأن العرب تسمي كل من رفع صوته ووالى به غانيا وفعله ذلك غناء وإن لم يلحنه بتلحين الغناء . قال : وعلى هذا فسره الصحابي ، وهو أعلم بالمقام وأقعد بالحال .

وقد احتج أبو الحسن بن بطال لمذهب الشافعي فقال : وقد رفع الإشكال في هذه المسألة ما رواه ابن أبي شيبة قال : حدثنا زيد بن الحباب قال : حدثنا موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : تعلموا القرآن وغنوا به واكتبوه فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفصيا من المخاض من العقل . قال علماؤنا : وهذا الحديث وإن صح سنده فيرده ما يعلم على القطع والبتات من أن قراءة القرآن بلغتنا متواترة عن كافة المشايخ ، جيلا فجيلا إلى العصر الكريم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس فيها تلحين ولا تطريب ، مع كثرة المتعمقين في مخارج الحروف [ ص: 34 ] وفي المد والإدغام والإظهار وغير ذلك من كيفية القراءات . ثم إن في الترجيع والتطريب همز ما ليس بمهموز ومد ما ليس بممدود ; فترجع الألف الواحدة ألفات والواو الواحدة واوات والشبهة الواحدة شبهات ، فيؤدي ذلك إلى زيادة في القرآن وذلك ممنوع ، وإن وافق ذلك موضع نبر وهمز صيروها نبرات وهمزات ، والنبرة حيثما وقعت من الحروف فإنما هي همزة واحدة لا غير ; إما ممدودة وإما مقصورة . فإن قيل : فقد روى عبد الله بن مغفل قال : قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسير له سورة " الفتح " على راحلته فرجع في قراءته ; وذكره البخاري وقال في صفة الترجيع : آء آء آء ، ثلاث مرات .

قلنا : ذلك محمول على إشباع المد في موضعه ، ويحتمل أن يكون حكاية صوته عند هز الراحلة ; كما يعتري رافع صوته إذا كان راكبا من انضغاط صوته وتقطيعه لأجل هز المركوب ; وإذا احتمل هذا فلا حجة فيه . وقد خرج أبو محمد عبد الغني بن سعيد الحافظ من حديث قتادة عن عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه قال : كانت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المد ليس فيها ترجيع . وروى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال : كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مؤذن يطرب ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الأذان سهل سمح فإذا كان أذانك سمحا سهلا وإلا فلا تؤذن . أخرجه الدارقطني في سننه . فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد منع ذلك في الأذان فأحرى ألا يجوزه في القرآن الذي حفظه الرحمن ، فقال وقوله الحق : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون [ الحجر : 9 ] . وقال تعالى : لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد [ فصلت : 42 ] .

قلت : وهذا الخلاف إنما هو ما لم يفهم معنى القرآن بترديد الأصوات وكثرة الترجيعات ، فإن زاد الأمر على ذلك حتى لا يفهم معناه فذلك حرام باتفاق ; كما يفعل القراء بالديار المصرية الذين يقرءون أمام الملوك والجنائز ، ويأخذون على ذلك الأجور والجوائز ، ضل سعيهم ، وخاب عملهم ، فيستحلون بذلك تغيير كتاب الله ، ويهونون على أنفسهم الاجتراء على الله بأن يزيدوا في تنزيله ما ليس فيه ; جهلا بدينهم ، ومروقا عن سنة نبيهم ، ورفضا لسير الصالحين فيه من سلفهم ، ونزوعا إلى ما يزين لهم الشيطان من أعمالهم ; وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ; فهم في غيهم يترددون ، وبكتاب الله يتلاعبون ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ! لكن قد أخبر الصادق أن ذلك يكون ، فكان كما أخبر - صلى الله عليه وسلم - .

ذكر الإمام الحافظ أبو الحسين رزين وأبو عبد الله الترمذي الحكيم في " نوادر الأصول " من حديث حذيفة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها وإياكم ولحون أهل العشق ولحون أهل الكتابين وسيجيء بعدي قوم يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والنواح لا يجاوز حناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب الذي يعجبهم شأنهم . اللحون : جمع لحن ، وهو التطريب وترجيع الصوت وتحسينه بالقراءة والشعر والغناء .

قال علماؤنا : ويشبه أن يكون هذا الذي يفعله قراء زماننا بين يدي الوعاظ وفي المجالس من اللحون الأعجمية التي يقرءون بها ، ما نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . والترجيع في القراءة : ترديد [ ص: 35 ] الحروف كقراءة النصارى . والترتيل في القراءة هو التأني فيها والتمهل وتبيين الحروف والحركات تشبيها بالثغر المرتل ، وهو المشبه بنور الأقحوان ، وهو المطلوب في قراءة القرآن ; قال الله تعالى : ورتل القرآن ترتيلا [ المزمل : 4 ] وسئلت أم سلمة عن قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصلاته ; فقالت : ما لكم وصلاته ! ، ثم نعتت قراءته ، فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفا حرفا . أخرجه النسائي وأبو داود والترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح غريب .

التالي السابق


الخدمات العلمية