صفحة جزء
الثالثة : قوله تعالى : فأنزلنا على الذين ظلموا كرر لفظ ظلموا ولم يضمره تعظيما للأمر والتكرير يكون على ضربين : أحدهما استعماله بعد تمام الكلام كما في هذه الآية وقوله : فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم قال بعد : فويل لهم مما كتبت أيديهم ولم يقل مما كتبوا وكرر الويل تغليظا لفعلهم ، ومنه قول الخنساء :


تعرقني الدهر نهسا وحزا وأوجعني الدهر قرعا وغمزا



أرادت أن الدهر أوجعها بكبريات نوائبه وصغرياتها ، والضرب الثاني مجيء تكرير الظاهر في موضع المضمر قبل أن يتم الكلام كقوله تعالى : الحاقة ما الحاقة الآية و القارعة ما القارعة الآية كان القياس - لولا ما أريد به من التعظيم والتفخيم - الحاقة ما هي ، والقارعة ما هي ، ومثله فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة كرر أصحاب الميمنة تفخيما لما ينيلهم من جزيل الثواب وكرر لفظ أصحاب المشأمة لما ينالهم من أليم العذاب ، ومن هذا الضرب قول الشاعر :

ليت الغراب غداة ينعب دائبا     كان الغراب مقطع الأوداج



وقد جمع عدي بن زيد المعنيين فقال :

لا أرى الموت يسبق الموت شيء     نغص الموت ذا الغنى والفقيرا



فكرر لفظ الموت ثلاثا وهو من الضرب الأول ، ومنه قول الآخر :

ألا حبذا هند وأرض بها هند     وهند أتى من دونها النأي والبعد



فكرر ذكر محبوبته ثلاثا تفخيما لها .

التالي السابق


الخدمات العلمية