القول في سبب رفع الطور 
وذلك أن 
موسى  عليه السلام لما جاء 
بني إسرائيل  من عند الله بالألواح فيها التوراة ، قال لهم : خذوها والتزموها . فقالوا : لا إلا أن يكلمنا الله بها كما كلمك . فصعقوا ثم أحيوا . فقال لهم : خذوها . فقالوا : لا ، فأمر الله الملائكة فاقتلعت جبلا من جبال 
فلسطين  طوله فرسخ في مثله ، وكذلك كان عسكرهم ، فجعل عليهم مثل الظلة ، وأتوا ببحر من خلفهم ، ونار من قبل وجوههم ، وقيل لهم : خذوها وعليكم الميثاق ألا تضيعوها ، وإلا سقط عليكم الجبل . فسجدوا توبة لله وأخذوا التوراة بالميثاق . قال 
الطبري  عن بعض العلماء : لو أخذوها أول مرة لم يكن عليهم ميثاق . وكان سجودهم على شق ؛ لأنهم كانوا يرقبون الجبل خوفا ، فلما رحمهم الله قالوا : لا سجدة أفضل من سجدة تقبلها الله ورحم بها عباده ، فأمروا سجودهم على شق واحد . قال 
ابن عطية    : والذي لا يصح سواه أن الله تعالى اخترع وقت سجودهم الإيمان في قلوبهم لا أنهم آمنوا كرها وقلوبهم غير مطمئنة بذلك . 
قوله تعالى : " خذوا " أي : فقلنا : خذوا ، فحذف . " ما آتيناكم " أعطيناكم . بقوة أي : بجد واجتهاد ، قال 
ابن عباس  وقتادة   nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي    . وقيل : بنية وإخلاص . 
مجاهد    : القوة : العمل بما فيه . وقيل : بقوة : بكثرة درس . 
واذكروا ما فيه أي : تدبروه واحفظوا أوامره ووعيده ، ولا تنسوه ولا تضيعوه . 
قلت : هذا هو المقصود من الكتب ، العمل بمقتضاها لا تلاوتها باللسان وترتيلها ، فإن ذلك نبذ لها ، على ما قاله 
الشعبي  وابن عيينة  ، وسيأتي قولهما عند قوله تعالى : 
نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب   . وقد روى 
 nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=837065إن من شر الناس رجلا فاسقا يقرأ القرآن لا يرعوي إلى شيء منه   . فبين صلى الله عليه وسلم أن المقصود العمل كما بينا . وقال 
مالك    : قد يقرأ القرآن من لا خير فيه . فما لزم إذا من قبلنا وأخذ عليهم لازم لنا وواجب علينا . قال الله تعالى :
واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم فأمرنا باتباع كتابه والعمل بمقتضاه ، لكن تركنا ذلك كما تركت 
اليهود  والنصارى  ، وبقيت أشخاص الكتب والمصاحف لا تفيد شيئا ، لغلبة الجهل وطلب الرياسة واتباع الأهواء . روى 
الترمذي  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15622جبير بن نفير  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء  قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=837066كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فشخص ببصره إلى السماء ثم قال :   [ ص: 409 ] هذا أوان يختلس فيه العلم من الناس حتى لا يقدروا منه على شيء . فقال زياد بن لبيد الأنصاري    : كيف يختلس منا وقد قرأنا القرآن فوالله لأقرأنه ولأقرئنه نساءنا وأبناءنا . فقال : ثكلتك أمك يازياد  إن كنت لأعدك من فقهاء المدينة  هذه التوراة والإنجيل عند اليهود  والنصارى  فماذا تغني عنهم وذكر الحديث ، وسيأتي . وخرجه 
 nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي  من حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=15622جبير بن نفير  أيضا عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=6201عوف بن مالك الأشجعي  من طريق صحيحة ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال 
لزياد    : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=837067ثكلتك أمك يا زياد  هذه التوراة والإنجيل عند اليهود  والنصارى    . وفي الموطأ عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود  ، قال لإنسان : إنك في زمان كثير فقهاؤه ، قليل قراؤه ، تحفظ فيه حدود القرآن وتضيع حروفه ، قليل من يسأل ، كثير من يعطي ، يطيلون الصلاة ويقصرون فيه الخطبة ، يبدءون فيه أعمالهم قبل أهوائهم . وسيأتي على الناس زمان قليل فقهاؤه ، كثير قراؤه ، تحفظ فيه حروف القرآن ، وتضيع حدوده ، كثير من يسأل ، قليل من يعطي ، يطيلون فيه الخطبة ، ويقصرون الصلاة ، يبدءون فيه أهواءهم قبل أعمالهم   . وهذه نصوص تدل على ما ذكرنا . وقد قال 
يحيى  سألت 
ابن نافع  عن قوله : يبدءون أهواءهم قبل أعمالهم ؟ قال يقول : يتبعون أهواءهم ويتركون العمل بالذي افترض عليهم . 
وتقدم القول في معنى قوله : 
لعلكم تتقون فلا معنى لإعادته . 
قوله تعالى : 
ثم توليتم تولى تفعل ، وأصله الإعراض والإدبار عن الشيء ومجازا . 
وقوله : من بعد ذلك أي : من بعد البرهان ، وهو أخذ الميثاق ورفع الجبل . وقوله : 
فلولا فضل الله عليكم   " فضل " مرفوع بالابتداء عند 
 nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه  والخبر محذوف لا يجوز إظهاره ؛ لأن العرب استغنت عن إظهاره ، إلا أنهم إذا أرادوا إظهاره جاءوا ب " أن " ، فإذا جاءوا بها لم يحذفوا الخبر . والتقدير : فلولا فضل الله تدارككم . 
" ورحمته " عطف على فضل أي : لطفه وإمهاله . " لكنتم " جواب " لولا " " من الخاسرين " خبر كنتم . والخسران : النقصان ، وقد تقدم . وقيل : فضله قبول التوبة ، ورحمته العفو . والفضل : الزيادة على ما وجب . والإفضال : فعل ما لم يجب . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13417ابن فارس  في المجمل : الفضل الزيادة والخير ، والإفضال : الإحسان .  
[ ص: 410 ]