[ ص: 418 ] قوله تعالى : 
قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون 
قوله تعالى : قالوا ادع لنا ربك هذا تعنيت منهم وقلة طواعية ، ولو امتثلوا الأمر وذبحوا أي بقرة كانت لحصل المقصود ، لكنهم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم ، قاله 
ابن عباس   nindex.php?page=showalam&ids=11873وأبو العالية  وغيرهما . ونحو ذلك روى 
 nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري  عن النبي صلى الله عليه وسلم . ولغة 
بني عامر    " ادع " وقد تقدم ، و " يبين " مجزوم على جواب الأمر . ما هي ابتداء وخبر . وماهية الشيء : حقيقته وذاته التي هو عليها . 
قوله تعالى : 
قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك في هذا دليل على جواز 
النسخ قبل وقت الفعل ؛ لأنه لما أمر ببقرة اقتضى أي بقرة كانت ، فلما زاد في الصفة نسخ الحكم الأول بغيره ، كما لو قال : في ثلاثين من الإبل بنت مخاض ، ثم نسخه بابنة لبون أو حقة . وكذلك هاهنا لما عين الصفة صار ذلك نسخا للحكم المتقدم . والفارض : المسنة . وقد فرضت تفرض فروضا ، أي : أسنت . ويقال للشيء القديم فارض ، قال الراجز : 
شيب أصداغي فرأسي أبيض محامل فيها رجال فرض 
يعني هرمى ، قال آخر : 
لعمرك قد أعطيت جارك فارضا     تساق إليه ما تقوم على رجل 
أي : قديما ، وقال آخر : 
يا رب ذي ضغن علي فارض     له قروء كقروء الحائض 
أي : قديم . و " لا فارض " رفع على الصفة لبقرة . و " لا بكر " عطف . وقيل : لا فارض خبر مبتدأ مضمر ، أي : لا هي فارض وكذا لا ذلول ، وكذلك لا تسقي الحرث ، وكذلك مسلمة ، فاعلمه . وقيل : الفارض التي قد ولدت بطونا كثيرة فيتسع جوفها لذلك ؛ لأن معنى الفارض في اللغة الواسع ، قال بعض المتأخرين . والبكر : الصغيرة التي لم تحمل . وحكى القتبي أنها التي ولدت . والبكر : الأول من الأولاد ، قال : 
يا بكر بكرين ويا خلب الكبد     أصبحت مني كذراع من عضد 
والبكر أيضا في إناث البهائم وبني آدم : ما لم يفتحله الفحل ، وهي مكسورة الباء .   
[ ص: 419 ] وبفتحها الفتي من الإبل . والعوان : النصف التي قد ولدت بطنا أو بطنين ، وهي أقوى ما تكون من البقر وأحسنه ، بخلاف الخيل ، قال الشاعر يصف فرسا : 
كميت بهيم اللون ليس بفارض     ولا بعوان ذات لون مخصف 
فرس أخصف : إذا ارتفع البلق من بطنه إلى جنبه . وقال 
مجاهد    : العوان من البقرة هي التي قد ولدت مرة بعد مرة   . وحكاه أهل اللغة . ويقال : إن العوان النخلة الطويلة ، وهي فيما زعموا لغة يمانية . وحرب 
عوان    : إذا كان قبلها حرب 
بكر  ، قال 
زهير    : 
إذا لقحت حرب عوان مضرة     ضروس تهر الناس أنيابها عصل 
أي : لا هي صغيرة ولا هي مسنة ، أي : هي عوان ، وجمعها " عون " بضم العين وسكون الواو ، وسمع " عون " بضم الواو كرسل . وقد تقدم . وحكى 
الفراء  من العوان عونت تعوينا . 
قوله تعالى : 
فافعلوا ما تؤمرون تجديد للأمر وتأكيد وتنبيه على ترك التعنت فما تركوه ، وهذا يدل على أن 
مقتضى الأمر الوجوب كما تقوله الفقهاء ، وهو الصحيح على ما هو مذكور في أصول الفقه ، وعلى أن الأمر على الفور ، وهو مذهب أكثر الفقهاء أيضا ويدل على صحة ذلك أنه تعالى استقصرهم حين لم يبادروا إلى فعل ما أمروا به فقال : 
فذبحوها وما كادوا يفعلون   . وقيل : لا ، بل على التراخي ؛ لأنه لم يعنفهم على التأخير والمراجعة في الخطاب . قاله 
ابن خويز منداد    .