قوله تعالى : 
وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين 
فيه ثلاثة وعشرون مسألة الأولى : لما جرى ذكر 
الكعبة  والقبلة اتصل ذلك بذكر 
إبراهيم  عليه السلام ، وأنه الذي بنى البيت ، فكان من حق اليهود - وهم من نسل 
إبراهيم    - ألا يرغبوا عن دينه . والابتلاء : الامتحان والاختبار ، ومعناه أمر وتعبد . وإبراهيم تفسيره بالسريانية فيما ذكر 
 nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي  ، وبالعربية فيما ذكر 
ابن عطية    : أب رحيم . قال 
السهيلي    : وكثيرا ما يقع الاتفاق بين السرياني والعربي أو يقاربه في اللفظ ، ألا ترى أن إبراهيم تفسيره أب راحم ، لرحمته بالأطفال ، ولذلك جعل هو 
وسارة  زوجته كافلين لأطفال المؤمنين يموتون صغارا إلى يوم القيامة . 
قلت : ومما يدل على هذا ما خرجه 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري  من حديث الرؤيا الطويل عن 
سمرة  ، وفيه :   
[ ص: 93 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=837165أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في الروضة إبراهيم  عليه السلام وحوله أولاد الناس   . وقد أتينا عليه في كتاب التذكرة ، والحمد لله . 
وإبراهيم هو ابن تارخ بن ناخور  في قول بعض المؤرخين . وفي التنزيل : 
وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر وكذلك في صحيح 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري  ، ولا تناقض في ذلك ، على ما يأتي في " الأنعام " بيانه إن شاء الله تعالى . وكان له أربع بنين : 
إسماعيل  وإسحاق  ومدين  ومدائن  على ما ذكره 
السهيلي    . وقدم على الفاعل للاهتمام ، إذ كون الرب تبارك وتعالى مبتليا معلوم ، وكون الضمير المفعول في العربية متصلا بالفاعل موجب تقديم المفعول ، فإنما بني الكلام على هذا الاهتمام ، فاعلمه . وقراءة العامة 
إبراهيم  بالنصب ، ربه بالرفع على ما ذكرنا . وروي عن 
جابر بن زيد  أنه قرأ على العكس ، وزعم أن 
ابن عباس  أقرأه كذلك . والمعنى دعا 
إبراهيم  ربه وسأل ، وفيه بعد ، لأجل الباء في قوله : بكلمات . 
الثانية : بكلمات الكلمات جمع كلمة ، ويرجع تحقيقها إلى كلام الباري تعالى ، لكنه عبر عنها عن الوظائف التي كلفها 
إبراهيم  عليه السلام ، ولما كان تكليفها بالكلام سميت به ، كما سمي 
عيسى  كلمة ; لأنه صدر عن كلمة وهي كن . وتسمية الشيء بمقدمته أحد قسمي المجاز ، قاله 
 nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي    . 
الثالثة : واختلف العلماء في المراد بالكلمات على أقوال : أحدها : شرائع الإسلام ، وهي ثلاثون سهما ، عشرة منها في سورة براءة : 
التائبون العابدون إلى آخرها ، وعشرة في الأحزاب : 
إن المسلمين والمسلمات إلى آخرها ، وعشرة في المؤمنون : 
قد أفلح المؤمنون إلى قوله : 
على صلواتهم يحافظون وقوله في سأل سائل : إلا المصلين إلى قوله : 
والذين هم على صلاتهم يحافظون   . قال 
ابن عباس  رضي الله   
[ ص: 94 ] عنهما : ما ابتلى الله أحدا بهن فقام بها كلها إلا 
إبراهيم  عليه السلام ، ابتلي بالإسلام فأتمه فكتب الله له البراءة فقال : 
وإبراهيم الذي وفى   . وقال بعضهم : بالأمر والنهي ، وقال بعضهم : بذبح ابنه ، وقال بعضهم : بأداء الرسالة ، والمعنى متقارب . وقال 
مجاهد    : هي قوله تعالى : إني مبتليك بأمر ، قال : تجعلني للناس إماما ؟ قال نعم . قال : ومن ذريتي ؟ قال : 
لا ينال عهدي الظالمين ، قال : تجعل البيت مثابة للناس ؟ قال نعم . قال : وأمنا ؟ قال نعم . قال : وترينا مناسكنا وتتوب علينا ؟ قال نعم . قال : وترزق أهله من الثمرات ؟ قال نعم . وعلى هذا القول فالله تعالى هو الذي أتم . وأصح من هذا ما ذكره
عبد الرزاق  عن 
معمر  عن 
طاوس  عن 
ابن عباس  في قوله : 
وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال : ابتلاه الله بالطهارة ، خمس في الرأس وخمس في الجسد : قص الشارب ، والمضمضة ، والاستنشاق ، والسواك ، وفرق الشعر . وفي الجسد : تقليم الأظفار ، وحلق العانة ، والاختتان ، ونتف الإبط ، وغسل مكان الغائط والبول بالماء ، وعلى هذا القول فالذي أتم هو 
إبراهيم  ، وهو ظاهر القرآن . وروى 
مطرف  عن 
أبي الجلد  أنها عشر أيضا ، إلا أنه جعل موضع الفرق غسل البراجم ، وموضع الاستنجاء الاستحداد . وقال 
قتادة    : هي مناسك الحج خاصة . 
الحسن    : هي الخلال الست : الكوكب ، والقمر ، والشمس ، والنار ، والهجرة ، والختان . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14416أبو إسحاق الزجاج    : وهذه الأقوال ليست بمتناقضة ; لأن هذا كله مما ابتلي به 
إبراهيم  عليه السلام . 
قلت : وفي الموطأ وغيره عن 
يحيى بن سعيد  أنه سمع 
 nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب  يقول : 
إبراهيم  عليه السلام أول من اختتن ، وأول من أضاف الضيف ، وأول من استحد ، وأول من قلم الأظفار ، وأول من قص الشارب ، وأول من شاب ، فلما رأى الشيب قال : ما هذا ؟ قال : وقار ، قال : يا رب زدني وقارا   . وذكر 
أبو بكر بن أبي شيبة  عن 
سعيد بن إبراهيم  عن أبيه   
[ ص: 95 ] قال : أول من خطب على المنابر 
إبراهيم  خليل الله . قال غيره : وأول من ثرد الثريد ، وأول من ضرب بالسيف ، وأول من استاك ، وأول من استنجى بالماء ، وأول من لبس السراويل . وروى 
معاذ بن جبل  قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=837166إن أتخذ المنبر فقد اتخذه أبي إبراهيم  وإن أتخذ العصا فقد اتخذها أبي إبراهيم    . 
قلت : وهذه أحكام يجب بيانها والوقف عليها والكلام فيها ، فأول ذلك " الختان " وما جاء فيه ، وهي المسألة : 
الرابعة : أجمع العلماء على أن 
إبراهيم  عليه السلام أول من اختتن . واختلف في السن لي اختتن فيها ، ففي الموطأ عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة  موقوفا : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=837167وهو ابن مائة وعشرين سنة وعاش بعد ذلك ثمانين سنة   . ومثل هذا لا يكون رأيا ، وقد رواه 
الأوزاعي  مرفوعا عن 
يحيى بن سعيد  عن 
سعيد ابن المسيب  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=837168اختتن إبراهيم  عليه السلام وهو ابن مائة وعشرين سنة ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة   . ذكره 
أبو عمر    . وروي مسندا مرفوعا من غير رواية 
يحيى  من وجوه : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=837169أنه اختتن حين بلغ ثمانين سنة واختتن بالقدوم   . كذا في صحيح 
مسلم  وغيره " ابن ثمانين سنة " ، وهو المحفوظ في حديث 
ابن عجلان  وحديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=13724الأعرج  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة  عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال 
عكرمة    : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=837170اختتن إبراهيم  وهو ابن ثمانين سنة   . قال : ولم يطف بالبيت بعد على ملة 
إبراهيم  إلا مختون ، هكذا قال 
عكرمة  وقال 
المسيب بن رافع  ، ذكره 
المروزي    . و " القدوم " يروى مشددا ومخففا . قال 
أبو الزناد    : 
القدوم    ( مشددا ) : موضع . 
الخامسة : واختلف العلماء في 
الختان ، فجمهورهم على أن ذلك من مؤكدات السنن ومن فطرة الإسلام التي لا يسع تركها في الرجال . وقالت طائفة : ذلك فرض ، لقوله تعالى : 
أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا   . قال 
قتادة    : هو الاختتان ، وإليه مال بعض المالكيين ، وهو قول 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي    . واستدل 
ابن سريج  على وجوبه بالإجماع على تحريم النظر إلى العورة ،   
[ ص: 96 ] وقال : لولا أن الختان فرض لما أبيح النظر إليها من المختون . وأجيب عن هذا بأن مثل هذا يباح لمصلحة الجسم كنظر الطبيب ، والطب ليس بواجب إجماعا ، على ما يأتي في " النحل " بيانه إن شاء الله تعالى . وقد احتج بعض أصحابنا بما رواه 
الحجاج بن أرطأة  عن 
أبي المليح  عن أبيه عن 
شداد بن أوس  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=837171الختان سنة للرجال مكرمة للنساء   . 
والحجاج  ليس ممن يحتج به . 
قلت : أعلى ما يحتج به في هذا الباب حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( 
nindex.php?page=hadith&LINKID=837172الفطرة خمس الاختتان . . .   ) الحديث ، وسيأتي . وروى 
أبو داود  عن 
أم عطية  nindex.php?page=hadith&LINKID=837173أن امرأة كانت تختن النساء بالمدينة  ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : لا تنهكي فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب للبعل   . قال 
أبو داود    : وهذا الحديث ضعيف راويه مجهول . وفي رواية ذكرها 
رزين    : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=837174ولا تنهكي فإنه أنور للوجه وأحظى عند الرجل   . 
السادسة : فإن ولد الصبي مختونا فقد كفي مؤنة الختان . قال 
الميموني  قال لي 
أحمد    : إن ها هنا رجلا ولد له ولد مختون ، فاغتم لذلك غما شديدا ، فقلت له : إذا كان الله قد كفاك المؤنة فما غمك بهذا .  
[ ص: 97 ] السابعة : قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11890أبو الفرج الجوزي  حدثت عن 
كعب الأحبار  قال : خلق من الأنبياء ثلاثة عشر مختونين : 
آدم  وشيث  وإدريس  ونوح  وسام  ولوط  ويوسف  وموسى  وشعيب  وسليمان  ويحيى  وعيسى  والنبي صلى الله عليه وسلم   . وقال 
محمد بن حبيب الهاشمي    : هم أربعة عشر : 
آدم  وشيث  ونوح  وهود  وصالح 
ولوط  وشعيب  ويوسف  وموسى  وسليمان  وزكريا  وعيسى  وحنظلة بن صفوان    ( نبي أصحاب الرس ) 
ومحمد  صلى الله عليه وعليهم أجمعين . 
قلت : اختلفت الروايات في النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر 
 nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم الحافظ  في " كتاب الحلية " بإسناده 
nindex.php?page=hadith&LINKID=837175أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد مختونا   . وأسند 
أبو عمر  في التمهيد حدثنا 
أحمد بن محمد بن أحمد  حدثنا 
محمد بن عيسى  حدثنا 
يحيى بن أيوب بن بادي العلاف  حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=16887محمد بن أبي السري العسقلاني  حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم  عن 
شعيب  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني  عن 
عكرمة  عن 
ابن عباس    : 
أن عبد المطلب  ختن النبي صلى الله عليه وسلم يوم سابعه ، وجعل له مأدبة وسماه " محمدا    "   . قال 
أبو عمر    : هذا حديث مسند غريب . قال 
يحيى بن أيوب    : طلبت هذا الحديث فلم أجده عند أحد من أهل الحديث ممن لقيته إلا عند 
ابن أبي السري    . قال 
أبو عمر    : وقد قيل : إن النبي صلى الله عليه وسلم ولد مختونا . 
الثامنة : واختلفوا 
متى يختن الصبي ، فثبت في الأخبار عن جماعة من العلماء أنهم قالوا : ختن 
إبراهيم  إسماعيل  لثلاث عشرة سنة . وختن ابنه 
إسحاق  لسبعة أيام . وروي عن 
فاطمة  أنها كانت تختن ولدها يوم السابع ، وأنكر ذلك 
مالك  وقال ذلك من عمل 
اليهود    . ذكره عنه 
ابن وهب    . وقال 
الليث بن سعد    : يختن الصبي ما بين سبع سنين إلى عشر   . ونحوه روى 
ابن وهب  عن 
مالك    . وقال 
أحمد    : لم أسمع في ذلك شيئا . وفي 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري  عن 
سعيد بن جبير  قال : سئل 
ابن عباس    : مثل من أنت حين قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : أنا يومئذ مختون   . قال : وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك أو يقارب الاحتلام .  
[ ص: 98 ] واستحب العلماء في 
الرجل الكبير يسلم أن يختن ، وكان 
عطاء  يقول : لا يتم إسلامه حتى يختتن وإن بلغ ثمانين سنة . وروي عن 
الحسن  أنه كان يرخص للشيخ الذي يسلم ألا يختتن ، ولا يرى به بأسا ولا بشهادته وذبيحته وحجه وصلاته ، قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر    : وعامة أهل العلم على هذا . وحديث 
بريدة  في حج الأغلف لا يثبت . وروي عن 
ابن عباس   nindex.php?page=showalam&ids=11867وجابر بن زيد  وعكرمة    : أن الأغلف لا تؤكل ذبيحته ولا تجوز شهادته   . 
التاسعة : [ وأول من استحد ] فالاستحداد 
استعمال الحديد في حلق العانة   . وروت 
أم سلمة  أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اطلى ولي عانته بيده . وروى 
ابن عباس  أن رجلا طلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا بلغ إلى عانته قال له : اخرج عني ، ثم طلى عانته بيده   . وروى 
أنس  أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتنور ، وكان إذا كثر الشعر على عانته حلقه   . قال 
ابن خويز منداد    : وهذا يدل على أن الأكثر من فعله كان الحلق وإنما تنور نادرا ، ليصح الجمع بين الحديثين . 
العاشرة : في 
تقليم الأظفار   . وتقليم الأظفار : قصها ، والقلامة ما يزال منها . وقال 
مالك    : أحب للنساء من قص الأظفار وحلق العانة مثل ما هو على الرجال . ذكره 
 nindex.php?page=showalam&ids=14061الحارث بن مسكين   nindex.php?page=showalam&ids=15968وسحنون  عن 
ابن القاسم    . وذكر 
 nindex.php?page=showalam&ids=14155الترمذي الحكيم  في " نوادر الأصول " له ( الأصل التاسع والعشرون ) : حدثنا 
عمر بن أبي عمر  قال : حدثنا 
إبراهيم بن العلاء الزبيدي  عن 
عمر بن بلال الفزاري  قال : سمعت 
عبد الله بن بشر المازني  يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : 
قصوا أظافيركم وادفنوا قلاماتكم ونقوا براجمكم ونظفوا لثاتكم من الطعام وتسننوا ولا تدخلوا علي قخرا بخرا ثم تكلم عليه فأحسن . قال 
الترمذي    : فأما قص الأظفار فمن أجل أنه يخدش ويخمش ويضر ، وهو مجتمع الوسخ ، فربما أجنب ولا يصل الماء إلى البشرة من أجل الوسخ فلا يزال جنبا . ومن أجنب فبقي موضع إبرة من جسده بعد الغسل غير مغسول فهو جنب على حاله حتى يعم الغسل جسده كله ، فلذلك ندبهم إلى قص الأظفار . والأظافير جمع الأظفور ، والأظفار جمع الظفر . وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث سها في صلاته فقال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=837179وما لي لا أوهم ورفغ أحدكم بين ظفره وأنملته ويسألني أحدكم عن خبر السماء وفي أظافيره الجنابة والتفث   . وذكر هذا الخبر 
أبو الحسن علي بن محمد الطبري  المعروف بإلكيا في " أحكام القرآن " له ، عن 
سليمان بن فرج أبي واصل  قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=837180أتيت أبا أيوب  رضي الله عنه فصافحته ، فرأى   [ ص: 99 ] في أظفاري طولا فقال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن خبر السماء فقال : يجيء أحدكم يسأل عن خبر السماء وأظفاره كأظفار الطير حتى يجتمع فيها الوسخ والتفث   . 
وأما قوله : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500022ادفنوا قلاماتكم فإن جسد المؤمن ذو حرمة ، فما سقط منه وزال عنه فحفظه من الحرمة قائم ، فيحق عليه أن يدفنه ، كما أنه لو مات دفن ، فإذا مات بعضه فكذلك أيضا تقام حرمته بدفنه ، كي لا يتفرق ولا يقع في النار أو في مزابل قذرة . وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدفن دمه حيث احتجم كي لا تبحث عنه الكلاب . حدثنا بذلك أبي رحمه الله تعالى قال : حدثنا 
موسى بن إسماعيل  قال : حدثنا 
الهنيد بن القاسم بن عبد الرحمن بن ماعز  قال : سمعت 
 nindex.php?page=showalam&ids=16281عامر بن عبد الله بن الزبير  يقول إن أباه حدثه 
nindex.php?page=hadith&LINKID=837181أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم ، فلما فرغ قال : يا عبد الله  اذهب بهذا الدم فأهرقه حيث لا يراك أحد . فلما برز عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمد إلى الدم فشربه ، فلما رجع قال : يا عبد الله  ما صنعت به ؟ . قال : جعلته في أخفى مكان ظننت أنه خافيا عن الناس . قال : لعلك شربته ؟ قال نعم . قال : لم شربت الدم ، وويل للناس منك وويل لك من الناس   . حدثني أبي قال : حدثنا 
مالك بن سليمان الهروي  قال : حدثنا 
داود بن عبد الرحمن  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة  عن أبيه عن 
عائشة  قالت : 
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بدفن سبعة أشياء من الإنسان : الشعر ، والظفر ، والدم ، والحيضة ، والسن ، والقلفة ، والبشيمة   . 
وأما قوله : 
نقوا براجمكم فالبراجم تلك الغضون من المفاصل ، وهي مجتمع الدرن ( واحدها برجمة ) وهو ظهر عقدة كل مفصل ، فظهر العقدة يسمى برجمة ، وما بين العقدتين تسمى راجبة ، وجمعها رواجب ، وذلك مما يلي ظهرها ، وهي قصبة الأصبع ، فلكل أصبع برجمتان وثلاث رواجب إلا الإبهام فإن لها برجمة وراجبتين ، فأمر بتنقيته لئلا يدرن فتبقى فيه الجنابة ، ويحول الدرن بين الماء والبشرة . 
وأما قوله : 
نظفوا لثاتكم فاللثة واحدة ، واللثات جماعة ، وهي اللحمة فوق الأسنان ودون الأسنان ، وهي منابتها . والعمور : اللحمة القليلة بين السنين ، واحدها عمر . فأمر بتنظيفها لئلا يبقى فيها ويضر الطعام فتتغير عليه النكهة وتتنكر الرائحة ، ويتأذى الملكان ; لأنه طريق القرآن ، ومقعد الملكين عند نابيه . وروي في الخبر في قوله تعالى : ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد   
[ ص: 100 ] قال : عند نابيه . حدثنا بذلك 
محمد بن علي الشقيقي  قال : سمعت أبي يذكر ذلك عن 
سفيان بن عيينة  وجاد ما قال ، وذلك أن اللفظ هو عمل الشفتين يلفظ الكلام عن لسانه إلى البراز . وقوله : لديه أي عنده ، والدى والعند في لغتهم السائرة بمعنى واحد ، وكذلك قولهم " لدن " فالنون زائدة . فكأن الآية تنبئ أن الرقيب عتيد عند مغلظ الكلام وهو الناب . 
وأما قوله : تسننوا وهو 
السواك مأخوذ من السن ، أي نظفوا السن . 
وقوله : 
لا تدخلوا علي قخرا بخرا فالمحفوظ عندي ( قحلا وقلحا ) . وسمعت 
الجارود  يذكر عن 
النضر  قال : الأقلح الذي قد اصفرت أسنانه حتى بخرت من باطنها ، ولا أعرف القخر . والبخر : الذي تجد له رائحة منكرة لبشرته ، يقال : رجل أبخر ، ورجال بخر . حدثنا الجارود قال : حدثنا جرير عن منصور عن أبي علي عن أبي جعفر بن تمام بن العباس عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=837182استاكوا ، ما لكم تدخلون علي قلحا   . 
الحادية عشرة : في 
قص الشارب   . وهو الأخذ منه حتى يبدو طرف الشفة وهو الإطار ، ولا يجزه فيمثل نفسه ، قاله 
مالك    . وذكر 
ابن عبد الحكم  عنه قال : وأرى أن يؤدب من حلق شاربه . وذكر 
أشهب  عنه أنه قال في حلق الشارب : هذه بدع ، وأرى أن يوجع ضربا من فعله . وقال 
ابن خويز منداد  قال 
مالك    : أرى أن يوجع من حلقه ضربا . كأنه يراه ممثلا بنفسه ، وكذلك بنتفه الشعر ، وتقصيره عنده أولى من حلقه . وكذلك 
nindex.php?page=hadith&LINKID=837183روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ذا لمة ، وكان أصحابه من بين وافر الشعر أو مقصر ، وإنما حلق وحلقوا في النسك . وروي 
nindex.php?page=hadith&LINKID=837184أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقص أظافره وشاربه قبل أن يخرج إلى الجمعة   . وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي    : لم نجد عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  في هذا شيئا منصوصا ، وأصحابه الذين رأيناهم : 
المزني  والربيع  كانا   
[ ص: 101 ] يحفيان شواربهما ، ويدل ذلك أنهما أخذا ذلك عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  رحمه الله تعالى . قال : وأما 
أبو حنيفة   nindex.php?page=showalam&ids=15922وزفر  وأبو يوسف  ومحمد  فكان مذهبهم في شعر الرأس والشارب أن الإحفاء أفضل من التقصير . وذكر 
ابن خويز منداد  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  أن مذهبه في حلق الشارب كمذهب 
أبي حنيفة  سواء . وقال 
أبو بكر  الأثرم : رأيت 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل  يحفي شاربه شديدا ، وسمعته سئل عن السنة في إحفاء الشارب فقال : يحفى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=837185أحفوا الشوارب   . قال 
أبو عمر    : إنما في هذا الباب أصلان : أحدهما : أحفوا ، وهو لفظ محتمل التأويل . والثاني : قص الشارب ، وهو مفسر ، والمفسر يقضي على المجمل ، وهو عمل 
أهل المدينة   ، وهو أولى ما قيل به في هذا الباب . روى 
الترمذي  عن 
ابن عباس  قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=837186كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من شاربه ويقول : إن إبراهيم  خليل الرحمن كان يفعله   . قال : هذا حديث حسن غريب . وخرج 
مسلم  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=837172الفطرة خمس الاختتان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط   . وفيه عن 
ابن عمر  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=837187خالفوا المشركين أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى   . والأعاجم يقصون لحاهم ، ويوفرون شواربهم أو يوفرونهما معا ، وذلك عكس الجمال والنظافة . ذكر 
رزين  عن 
نافع  أن 
ابن عمر  كان يحفي شاربه حتى ينظر إلى الجلد ، ويأخذ هذين ، يعني ما بين الشارب واللحية   . وفي 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري    : وكان 
ابن عمر  يأخذ من طول لحيته ما زاد على القبضة إذا حج أو اعتمر   . وروى 
الترمذي  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص  nindex.php?page=hadith&LINKID=837188أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها   . قال : هذا حديث غريب . 
الثانية عشرة : وأما الإبط فسنته النتف ، كما أن سنة العانة الحلق ، فلو عكس جاز لحصول النظافة ، والأول أولى ; لأنه المتيسر المعتاد .  
[ ص: 102 ] الثالثة عشرة : وفرق الشعر : تفريقه في المفرق ، وفي صفته صلى الله عليه وسلم : إن انفرقت عقيصته فرق ، يقال : فرقت الشعر أفرقه فرقا ، يقال : إن انفرق شعر رأسه فرقه في مفرقه ، فإن لم ينفرق تركه وفرة واحدة . خرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي  عن 
ابن عباس  nindex.php?page=hadith&LINKID=837189أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسدل شعره ، وكان المشركون يفرقون شعورهم ، وكان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ، ثم فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ، أخرجه 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري  ومسلم  عن 
أنس    . قال 
القاضي عياض    : سدل الشعر إرساله ، والمراد به ها هنا عند العلماء إرساله على الجبين ، واتخاذه كالقصة ، 
والفرق في الشعر سنة   ; لأنه الذي رجع إليه النبي صلى الله عليه وسلم . 
وقد روي أن 
عمر بن عبد العزيز  كان إذا انصرف من الجمعة أقام على باب المسجد حرسا يجزون ناصية كل من لم يفرق شعره . وقد قيل : إن الفرق كان من سنة 
إبراهيم  عليه السلام ، فالله أعلم . 
الرابعة عشرة : وأما 
الشيب فنور ويكره نتفه ، ففي 
 nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي  وأبي داود  من حديث 
عمرو بن شعيب  عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=837190لا تنتفوا الشيب ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كانت له نورا يوم القيامة وكتب الله له حسنة وحط عنه خطيئة   . 
قلت : وكما يكره نتفه كذلك يكره تغييره بالسواد ، فأما تغييره بغير السواد فجائز ، لقوله صلى الله عليه وسلم في حق 
أبي قحافة    - وقد جيء به ولحيته كالثغامة بياضا - : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=837191غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد   . ولقد أحسن من قال : 
يسود أعلاها ويبيض أصلها ولا خير في الأعلى إذا فسد الأصل 
وقال الآخر : 
يا خاضب الشيب بالحناء تستره     سل المليك له سترا من النار 
 [ ص: 103 ] الخامسة عشرة : 
وأما الثريد فهو أزكى الطعام وأكثره بركة ، وهو طعام العرب ، وقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالفضل على سائر الطعام فقال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=837192فضل عائشة  على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام   . وفي صحيح 
البستي  عن 
أسماء بنت أبي بكر  أنها كانت إذا ثردت غطته شيئا حتى يذهب فوره وتقول : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=837193إنه أعظم للبركة   . 
السادسة عشرة : قلت : وهذا كله في معنى ما ذكره 
عبد الرزاق  عن 
ابن عباس  ، وما قاله 
 nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب  وغيره . ويأتي ذكر المضمضة والاستنشاق والسواك في سورة " النساء " وحكم الاستنجاء في " براءة " وحكم الضيافة في " هود " إن شاء الله تعالى . وخرج 
مسلم  عن 
أنس  قال : وقت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة ألا نترك أكثر من أربعين ليلة ، قال علماؤنا : هذا تحديد في أكثر المدة ، والمستحب تفقد ذلك من الجمعة إلى الجمعة ، وهذا الحديث يرويه 
جعفر بن سليمان    . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14798العقيلي    : في حديثه نظر . وقال 
أبو عمر  فيه : ليس بحجة ، لسوء حفظه وكثرة غلطه . وهذا الحديث ليس بالقوي من جهة النقل ; ولكنه قد قال به قوم ، وأكثرهم على ألا توقيت في ذلك ، وبالله التوفيق . 
السابعة عشرة : قوله تعالى : 
قال إني جاعلك للناس إماما 
الإمام : القدوة ، ومنه قيل لخيط البناء : إمام ، وللطريق : إمام ; لأنه يؤم فيه للمسالك ، أي يقصد . فالمعنى : جعلناك للناس إماما يأتمون بك في هذه الخصال ، ويقتدي بك الصالحون . فجعله الله تعالى إماما لأهل طاعته ، فلذلك اجتمعت الأمم على الدعوى فيه - والله أعلم - أنه كان حنيفا . 
الثامنة عشرة : 
قال ومن ذريتي دعاء على جهة الرغباء إلى الله تعالى ، أي من ذريتي يا رب فاجعل . وقيل : هذا منه على جهة الاستفهام عنهم ، أي ومن ذريتي يا رب ماذا يكون ؟ فأخبره الله تعالى أن فيهم عاصيا وظالما لا يستحق الإمامة . قال 
ابن عباس    : سأل   
[ ص: 104 ] إبراهيم  عليه السلام أن يجعل من ذريته إمام ، فأعلمه الله أن في ذريته من يعصي فقال : لا ينال عهدي الظالمين   . 
التاسعة عشرة : قوله تعالى : 
ومن ذريتي أصل ذرية ، فعلية من الذر ; لأن الله تعالى أخرج الخلق من صلب 
آدم  عليه السلام كالذر حين أشهدهم على أنفسهم . وقيل : هو مأخوذ من ذرأ الله الخلق يذرؤهم ذرءا خلقهم ، ومنه الذرية وهي نسل الثقلين ، إلا أن العرب تركت همزها ، والجمع الذراري . وقرأ 
 nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت    " ذرية " بكسر الذال و " ذرية " بفتحها . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني أبو الفتح عثمان    : يحتمل أصل هذا الحرف أربعة ألفاظ : أحدها : ذرأ ، والثاني : ذرر ، والثالث : ذرو ، والرابع : ذري ، فأما الهمزة فمن ذرأ الله الخلق ، وأما ذرر فمن لفظ الذر ومعناه ، وذلك لما ورد في الخبر ( أن الخلق كان كالذر ) وأما الواو والياء ، فمن ذروت الحب وذريته يقالان جميعا ، وذلك قوله تعالى : 
فأصبح هشيما تذروه الرياح وهذا للطفه وخفته ، وتلك حال الذر أيضا . قال 
الجوهري    : ذرت الريح التراب وغيره تذروه وتذريه ذروا وذريا أي نسفته ، ومنه قولهم : ذرى الناس الحنطة ، وأذريت الشيء إذا ألقيته ، كإلقائك الحب للزرع . وطعنه فأذراه عن ظهر دابته ، أي ألقاه . وقال 
الخليل    : إنما سموا ذرية ; لأن الله تعالى ذرأها على الأرض كما ذرأ الزارع البذر . وقيل : أصل ذرية ، ذرورة ، لكن لما كثر التضعيف أبدل من إحدى الراءات ياء ، فصارت ذروية ، ثم أدغمت الواو في الياء فصارت ذرية . والمراد بالذرية هنا الأبناء خاصة ، وقد تطلق على الآباء والأبناء ، ومنه قوله تعالى : 
وآية لهم أنا حملنا ذريتهم يعني آباءهم . 
الموفية عشرين : قوله تعالى : 
قال لا ينال عهدي الظالمين اختلف في المراد بالعهد ، فروى 
أبو صالح  عن 
ابن عباس  أنه النبوة ، وقاله 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي    . 
مجاهد    : الإمامة . 
قتادة    : الإيمان . 
عطاء    : الرحمة . 
الضحاك    : دين الله تعالى . وقيل : عهده أمره . ويطلق العهد على الأمر ، قال الله تعالى : 
إن الله عهد إلينا أي أمرنا . وقال : 
ألم أعهد إليكم يابني آدم يعني ألم أقدم إليكم الأمر به ، وإذا كان عهد الله هو أوامره فقوله : 
لا ينال عهدي الظالمين أي لا يجوز أن يكونوا بمحل من يقبل منهم أوامر الله ولا يقيمون عليها ، على ما يأتي بيانه بعد هذا آنفا إن شاء الله تعالى . وروى 
معمر  عن 
قتادة  في قوله تعالى : 
لا ينال عهدي الظالمين قال : لا ينال عهد الله في الآخرة الظالمين ، فأما في الدنيا فقد ناله الظالم فآمن به ، وأكل وعاش   
[ ص: 105 ] وأبصر . قال 
الزجاج    : وهذا قول حسن ، أي لا ينال أماني الظالمين ، أي لا أؤمنهم من عذابي . وقال 
سعيد بن جبير    : الظالم هنا المشرك . وقرأ 
ابن مسعود   nindex.php?page=showalam&ids=16258وطلحة بن مصرف  لا ينال عهدي الظالمون برفع الظالمون . الباقون بالنصب . وأسكن 
حمزة  وحفص  وابن محيصن  الياء في عهدي ، وفتحها الباقون . 
الحادية والعشرون : استدل جماعة من العلماء بهذه الآية على أن 
الإمام يكون من أهل العدل والإحسان والفضل مع القوة على القيام بذلك ، وهو الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم ألا ينازعوا الأمر أهله ، على ما تقدم من القول فيه . فأما أهل الفسوق والجور والظلم فليسوا له بأهل ، لقوله تعالى : 
لا ينال عهدي الظالمين ولهذا خرج 
ابن الزبير   nindex.php?page=showalam&ids=17والحسين بن علي  رضي الله عنهم . وخرج خيار 
أهل العراق   وعلماؤهم على 
الحجاج  ، وأخرج 
أهل المدينة   بني أمية  وقاموا عليهم ، فكانت الحرة التي أوقعها بهم 
مسلم بن عقبة    . 
والذي عليه الأكثر من العلماء أن الصبر على طاعة الإمام الجائر أولى من الخروج عليه ; لأن في منازعته والخروج عليه استبدال الأمن بالخوف ، وإراقة الدماء ، وانطلاق أيدي السفهاء ، وشن الغارات على المسلمين ، والفساد في الأرض . والأول مذهب طائفة من 
المعتزلة  ، وهو مذهب 
الخوارج  ، فاعلمه . 
الثانية والعشرون : قال 
ابن خويز منداد    : وكل من كان ظالما لم يكن نبيا ولا خليفة ولا حاكما ولا مفتيا ، ولا إمام صلاة ، ولا يقبل عنه ما يرويه عن صاحب الشريعة ، ولا تقبل شهادته في الأحكام ، غير أنه 
لا يعزل بفسقه حتى يعزله أهل الحل والعقد   . وما تقدم من أحكامه موافقا للصواب ماض غير منقوض . وقد نص 
مالك  على هذا في 
الخوارج  والبغاة أن أحكامهم لا تنقض إذا أصابوا بها وجها من الاجتهاد ، ولم يخرقوا الإجماع ، أو يخالفوا النصوص . وإنما قلنا ذلك لإجماع الصحابة ، وذلك أن 
الخوارج  قد خرجوا في أيامهم ولم ينقل أن الأئمة تتبعوا أحكامهم ، ولا نقضوا شيئا منها ، ولا أعادوا أخذ الزكاة ولا إقامة الحدود التي أخذوا وأقاموا ، فدل على أنهم إذا أصابوا وجه الاجتهاد لم يتعرض لأحكامهم . 
الثالثة والعشرون : قال 
ابن خويز منداد    : وأما أخذ الأرزاق من الأئمة الظلمة فلذلك ثلاثة أحوال : إن كان جميع ما في أيديهم مأخوذا على موجب الشريعة فجائز أخذه ، وقد أخذت الصحابة والتابعون من يد 
الحجاج  وغيره . وإن كان مختلطا حلالا وظلما كما في أيدي الأمراء اليوم فالورع تركه ، ويجوز للمحتاج أخذه ، وهو كلص في يده مال مسروق ، ومال جيد حلال وقد وكله فيه رجل فجاء اللص يتصدق به على إنسان فيجوز أن تؤخذ منه الصدقة ، وإن كان قد   
[ ص: 106 ] يجوز أن يكون اللص يتصدق ببعض ما سرق ، إذا لم يكن شيء معروف بنهب ، وكذلك لو باع أو اشترى كان العقد صحيحا لازما - وإن كان الورع التنزه عنه - وذلك أن الأموال لا تحرم بأعيانها وإنما تحرم لجهاتها . وإن كان ما في أيديهم ظلما صراحا فلا يجوز أن يؤخذ من أيديهم . ولو كان ما في أيديهم من المال مغصوبا غير أنه لا يعرف له صاحب ولا مطالب ، فهو كما لو وجد في أيدي اللصوص وقطاع الطريق ، ويجعل في بيت المال وينتظر طالبه بقدر الاجتهاد ، فإذا لم يعرف صرفه الإمام في مصالح المسلمين .