قوله تعالى : ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رءوف بالعباد ابتغاء نصب على المفعول من أجله . ولما ذكر صنيع المنافقين ذكر بعده صنيع المؤمنين . قيل : نزلت في 
صهيب  فإنه أقبل مهاجرا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعه نفر من 
قريش  ،   
[ ص: 21 ] فنزل عن راحلته ، وانتثل ما في كنانته ، وأخذ قوسه ، وقال : لقد علمتم أني من أرماكم ، وايم الله لا تصلون إلي حتى أرمي بما في كنانتي ، ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء ، ثم افعلوا ما شئتم . فقالوا : لا نتركك تذهب عنا غنيا وقد جئتنا صعلوكا ، ولكن دلنا على مالك 
بمكة  ونخلي عنك ، وعاهدوه على ذلك ففعل ، فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت : 
ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله الآية ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=837630ربح البيع أبا يحيى ، وتلا عليه الآية ، أخرجه 
رزين  ، وقاله 
 nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب  رضي الله عنهما . وقال المفسرون : أخذ المشركون 
صهيبا  فعذبوه ، فقال لهم 
صهيب    : إني شيخ كبير ، لا يضركم أمنكم كنت أم من غيركم ، فهل لكم أن تأخذوا مالي وتذروني وديني ؟ ففعلوا ذلك ، وكان شرط عليهم راحلة ونفقة ، فخرج إلى 
المدينة  فتلقاه 
أبو بكر  وعمر  رضي الله عنهما ورجال ، فقال له 
أبو بكر    : ربح بيعك أبا يحيى . فقال له 
صهيب    : وبيعك فلا يخسر ، فما ذاك ؟ فقال : أنزل الله فيك كذا ، وقرأ عليه الآية . وقال 
الحسن    : أتدرون فيمن نزلت هذه الآية ، نزلت في المسلم لقي الكافر فقال له : قل لا إله إلا الله ، فإذا قلتها عصمت مالك ونفسك ، فأبى أن يقولها ، فقال المسلم : والله لأشرين نفسي لله ، فتقدم فقاتل حتى قتل . وقيل : نزلت فيمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، وعلى ذلك تأولها 
عمر  وعلي 
 nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس  رضي الله عنهم ، قال 
علي   nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس    : ( اقتتل الرجلان ، أي قال المغير للمفسد : اتق الله ، فأبى المفسد وأخذته العزة ، فشرى المغير نفسه من الله وقاتله فاقتتلا )   . وقال 
أبو الخليل    : سمع 
عمر بن الخطاب  إنسانا يقرأ هذه الآية ، فقال 
عمر    : 
إنا لله وإنا إليه راجعون ، قام رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقتل ) . وقيل : إن 
عمر  سمع 
ابن عباس  يقول : ( اقتتل الرجلان ) عند قراءة القارئ هذه الآية ، فسأله عما قال ففسر له هذا التفسير ، فقال له 
عمر  ، ( لله تلادك يا 
ابن عباس    ) ! وقيل : نزلت فيمن يقتحم   
[ ص: 22 ] القتال . حمل 
هشام بن عامر  على الصف في 
القسطنطينية  فقاتل حتى قتل ، فقرأ 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة    : 
ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله ، ومثله عن 
أبي أيوب    . وقيل : نزلت في شهداء غزوة 
الرجيع    . وقال 
قتادة    : هم 
المهاجرون  والأنصار    . وقيل : نزلت في 
علي  رضي الله عنه حين تركه النبي صلى الله عليه وسلم على فراشه ليلة خرج إلى 
الغار  ، على ما يأتي بيانه في " براءة " إن شاء الله تعالى . وقيل : الآية عامة ، تتناول كل 
مجاهد  في سبيل الله ، أو مستشهد في ذاته أو مغير منكر . وقد تقدم حكم من حمل على الصف ، ويأتي ذكر المغير للمنكر وشروطه وأحكامه في " آل عمران " إن شاء الله تعالى . 
و يشري معناه يبيع ، ومنه 
وشروه بثمن بخس أي باعوه ، وأصله الاستبدال ، ومنه قوله تعالى : 
إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة   . ومنه قول الشاعر : 
وإن كان ريب الدهر أمضاك في الألى شروا هذه الدنيا بجناته الخلد 
وقال آخر : 
وشريت بردا  ليتني     من بعد 
برد  كنت هامه 
البرد  هنا اسم غلام . وقال آخر : 
يعطي بها ثمنا فيمنعها     ويقول صاحبها ألا فأشر 
وبيع النفس هنا هو بذلها لأوامر الله . " ابتغاء " مفعول من أجله . ووقف 
الكسائي  على " مرضات " بالتاء ، والباقون بالهاء . قال 
أبو علي    : وقف 
الكسائي  بالتاء إما على لغة من يقول : طلحت وعلقمت ، ومنه قول الشاعر : 
بل جوزتيهاء كظهر الحجفت 
وإما أنه لما كان هذا المضاف إليه في ضمن اللفظة ولابد أثبت التاء كما ثبتت في الوصل ليعلم أن المضاف إليه مراد . والمرضاة الرضا ، يقال : رضي يرضى رضا ومرضاة . وحكى قوم أنه يقال : شرى بمعنى اشترى ، ويحتاج إلى هذا من تأول الآية في 
صهيب  ؛ لأنه   
[ ص: 23 ] اشترى نفسه بماله ولم يبعها ، اللهم إلا أن يقال : إن عرض 
صهيب  على قتالهم بيع لنفسه من الله . فيستقيم اللفظ على معنى باع .