قوله تعالى : 
سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب 
قوله تعالى : 
سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة سل من السؤال : بتخفيف الهمزة ، فلما تحركت السين لم يحتج إلى ألف الوصل . وقيل : إن للعرب في سقوط ألف الوصل في " سل " وثبوتها في " واسأل " وجهين : 
أحدهما - حذفها في إحداهما وثبوتها في الأخرى ، وجاء القرآن بهما ، فاتبع خط المصحف في إثباته للهمزة وإسقاطها . 
والوجه الثاني - أنه يختلف إثباتها وإسقاطها باختلاف الكلام المستعمل فيه ، فتحذف الهمزة في الكلام المبتدإ ، مثل قوله : 
سل بني إسرائيل ، وقوله : 
سلهم أيهم بذلك زعيم   . وثبت في العطف ، مثل قوله : 
واسأل القرية ، 
واسألوا الله من فضله قاله 
علي بن عيسى    . وقرأ 
أبو عمرو  في رواية 
ابن عباس  عنه " اسأل " على الأصل . وقرأ قوم " اسل " على نقل الحركة إلى السين وإبقاء ألف الوصل ، على لغة من قال : الأحمر . و " كم " في موضع نصب ؛ لأنها مفعول ثان ل " آتيناهم " . وقيل : بفعل مضمر ، تقديره كم آتينا آتيناهم . ولا يجوز أن يتقدمها الفعل لأن لها صدر الكلام . من آية في موضع نصب على التمييز على التقدير الأول ، وعلى الثاني مفعول ثان ل " آتيناهم " ، ويجوز أن تكون في موضع رفع بالابتداء ، والخبر في " آتيناهم " ، ويصير فيه عائد على " كم " ، تقديره : كم آتيناهموه ، ولم يعرب وهي اسم لأنها بمنزلة الحروف لما وقع فيه معنى الاستفهام ، وإذا فرقت بين " كم " وبين الاسم كان الاختيار أن تأتي بمن كما في هذه الآية ، فإن حذفتها نصبت في الاستفهام والخبر ، ويجوز الخفض في الخبر كما قال الشاعر :  
[ ص: 28 ] كم بجود مقرف نال العلا وكريم بخله قد وضعه 
والمراد بالآية كم جاءهم في أمر 
محمد  عليه السلام من آية معرفة به دالة عليه . قال 
مجاهد  والحسن  وغيرهما : يعني 
الآيات التي جاء بها موسى  عليه السلام من فلق البحر والظلل من الغمام والعصا واليد وغير ذلك . وأمر الله تعالى نبيه بسؤالهم على جهة التقريع لهم والتوبيخ . 
قوله تعالى : 
ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته لفظ عام لجميع العامة ، وإن كان المشار إليه 
بني إسرائيل  ، لكونهم بدلوا ما في كتبهم وجحدوا أمر 
محمد  صلى الله عليه وسلم ، فالجحود منسحب على كل مبدل نعمة الله تعالى . وقال 
الطبري    : النعمة هنا الإسلام ، وهذا قريب من الأول . ويدخل في اللفظ أيضا كفار 
قريش  ، فإن بعث 
محمد  صلى الله عليه وسلم فيهم نعمة عليهم ، فبدلوا قبولها والشكر عليها كفرا . 
قوله تعالى : 
فإن الله شديد العقاب خبر يتضمن الوعيد . والعقاب مأخوذ من العقب ، كأن المعاقب يمشي بالمجازاة له في آثار عقبه ، ومنه عقبة الراكب وعقبة القدر . فالعقاب والعقوبة يكونان بعقب الذنب ، وقد عاقبه بذنبه .