قوله تعالى : 
كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون قوله تعالى : كنتم خير أمة أخرجت للناس فيه ثلاث مسائل : 
الأولى : روى 
الترمذي  عن 
بهز بن حكيم  عن أبيه عن جده أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في قوله تعالى : 
كنتم خير أمة أخرجت للناس قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=831921أنتم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها عند الله   . وقال : هذا حديث حسن . وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة    : نحن خير الناس للناس نسوقهم بالسلاسل إلى الإسلام . وقال 
ابن عباس    : هم الذين هاجروا من 
مكة  إلى 
المدينة  وشهدوا 
بدرا  والحديبية    . وقال 
عمر بن الخطاب    : من فعل فعلهم كان مثلهم . وقيل : هم أمة 
محمد    - صلى الله عليه وسلم - يعني الصالحين منهم وأهل الفضل . وهم الشهداء على الناس يوم القيامة ; كما تقدم في البقرة . وقال 
مجاهد    : 
كنتم خير أمة أخرجت للناس على الشرائط المذكورة في الآية . وقيل : معناه كنتم في اللوح المحفوظ . وقيل : كنتم مذ آمنتم خير أمة . وقيل : جاء ذلك لتقدم البشارة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأمته . فالمعنى كنتم عند من تقدمكم من أهل الكتب خير أمة . وقال 
الأخفش    : يريد أهل أمة ، أي خير أهل دين ; وأنشد :  
[ ص: 162 ] حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع 
وقيل : هي كان التامة ، والمعنى خلقتم ووجدتم خير أمة . " فخير أمة " حال . وقيل : كان زائدة ، والمعنى أنتم خير أمة . وأنشد 
 nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه    : 
وجيران لنا كانوا كراما 
ومثله قوله تعالى : 
كيف نكلم من كان في المهد صبيا   . وقوله : 
واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم   . وقال في موضع آخر : 
واذكروا إذ أنتم قليل   . وروى 
سفيان  عن 
ميسرة الأشجعي  عن 
أبي حازم  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة  كنتم خير أمة أخرجت للناس قال : تجرون الناس بالسلاسل إلى الإسلام . قال 
النحاس    : والتقدير على هذا كنتم للناس خير أمة . وعلى قول 
مجاهد    : كنتم خير أمة إذ كنتم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر . وقيل : إنما صارت أمة 
محمد -    - صلى الله عليه وسلم - خير أمة لأن المسلمين منهم أكثر ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيهم أفشى . فقيل : هذا لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما قال - صلى الله عليه وسلم - : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=831922خير الناس قرني أي الذين بعثت فيهم . 
الثانية : وإذا ثبت بنص التنزيل أن هذه الأمة خير الأمم ; فقد روى الأئمة من حديث 
عمران بن حصين  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=831922خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم   . الحديث وهذا يدل على أن 
أول هذه الأمة أفضل ممن بعدهم ، وإلى هذا ذهب معظم العلماء ، وإن من صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ورآه ولو مرة في عمره أفضل ممن يأتي بعده ، وإن فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل . وذهب 
أبو عمر بن عبد البر  إلى أنه قد يكون فيمن يأتي بعد الصحابة أفضل ممن كان في جملة الصحابة ، وإن قوله عليه السلام : ( 
nindex.php?page=hadith&LINKID=831922خير الناس قرني   ) ليس على عمومه بدليل ما يجمع القرن من الفاضل والمفضول . وقد جمع قرنه جماعة من المنافقين المظهرين للإيمان وأهل الكبائر الذين أقام عليهم أو على بعضهم الحدود ، وقال لهم : ما تقولون في السارق والشارب   
[ ص: 163 ] والزاني . وقال مواجهة لمن هو في قرنه : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=831923لا تسبوا أصحابي   . وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=22لخالد بن الوليد  في 
عمار    : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=831924لا تسب من هو خير منك وروى 
أبو أمامة  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=831925طوبى لمن رآني وآمن بي ، وطوبى سبع مرات لمن لم يرني وآمن بي   . وفي مسند 
 nindex.php?page=showalam&ids=14724أبي داود الطيالسي  عن 
محمد بن أبي حميد  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم  عن أبيه عن 
عمر    . قال : كنت جالسا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=838241  ( أتدرون أي الخلق أفضل إيمانا ) قلنا الملائكة . قال : ( وحق لهم بل غيرهم ) قلنا الأنبياء . قال : ( وحق لهم بل غيرهم ) ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أفضل الخلق إيمانا قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني يجدون ورقا فيعملون بما فيها فهم أفضل الخلق إيمانا )   . وروى 
صالح بن جبير  عن 
أبي جمعة  قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=838242قلنا يا رسول الله ، هل أحد خير منا ؟ قال : ( نعم قوم يجيئون من بعدكم فيجدون كتابا بين لوحين فيؤمنون بما فيه ويؤمنون بي ولم يروني   ) . وقال 
أبو عمر    : 
وأبو جمعة  له صحبة واسمه 
حبيب بن سباع  ، 
وصالح بن جبير  من ثقات التابعين . وروى 
أبو ثعلبة الخشني  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=838243إن أمامكم أياما الصابر فيها على دينه كالقابض على الجمر ، للعامل فيها أجر خمسين رجلا يعمل مثل عمله قيل : يا رسول الله ، منهم ؟ قال : ( بل منكم )   . قال 
أبو عمر    : وهذه اللفظة " بل منكم " قد سكت عنها بعض المحدثين فلم يذكرها . وقال 
عمر بن الخطاب  في تأويل قوله : 
كنتم خير أمة أخرجت للناس قال : من فعل مثل فعلكم كان مثلكم . ولا تعارض بين الأحاديث ; لأن الأول على الخصوص ، والله الموفق . 
وقد قيل في توجيه أحاديث هذا الباب : إن قرنه إنما فضل لأنهم كانوا غرباء في إيمانهم لكثرة الكفار وصبرهم على أذاهم وتمسكهم بدينهم ، وإن أواخر هذه الأمة إذا أقاموا الدين وتمسكوا به وصبروا على طاعة ربهم في حين ظهور الشر والفسق والهرج والمعاصي والكبائر   
[ ص: 164 ] كانوا عند ذلك أيضا غرباء ، وزكت أعمالهم في ذلك الوقت كما زكت أعمال أوائلهم ، ومما يشهد لهذا قوله عليه السلام : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=831926بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء   . ويشهد له أيضا حديث 
أبي ثعلبة  ، ويشهد له أيضا قوله - صلى الله عليه وسلم - : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=831927أمتي كالمطر لا يدرى أوله خير أم آخره   . ذكره 
 nindex.php?page=showalam&ids=14724أبو داود الطيالسي   nindex.php?page=showalam&ids=13948وأبو عيسى الترمذي  ، ورواه 
 nindex.php?page=showalam&ids=17244هشام بن عبيد الله الرازي  عن 
مالك  عن 
الزهري  عن 
أنس  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=831928مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره   . ذكره 
 nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني  في مسند حديث 
مالك    . قال 
أبو عمر    : 
هشام بن عبيد الله  ثقة لا يختلفون في ذلك . وروي أن 
عمر بن عبد العزيز  لما ولي الخلافة كتب إلى 
 nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم بن عبد الله  أن اكتب إلي بسيرة 
عمر بن الخطاب  لأعمل بها ; فكتب إليه 
سالم    : إن عملت بسيرة 
عمر    ; فأنت أفضل من 
عمر  لأن زمانك ليس كزمان 
عمر ،  ولا رجالك كرجال 
عمر    . قال : وكتب إلى فقهاء زمانه ، فكلهم كتب إليه بمثل قول 
سالم    . وقد عارض بعض الجلة من العلماء قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( 
nindex.php?page=hadith&LINKID=831922خير الناس قرني   ) بقوله - صلى الله عليه وسلم - : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=831929خير الناس من طال عمره وحسن عمله ، وشر الناس من طال عمره وساء عمله   . قال 
أبو عمر    : فهذه الأحاديث تقتضي مع تواتر طرقها وحسنها التسوية بين أول هذه الأمة وآخرها . والمعنى في ذلك ما تقدم ذكره من الإيمان والعمل الصالح في الزمان الفاسد الذي يرفع فيه من أهل العلم والدين ، ويكثر فيه الفسق والهرج ، ويذل المؤمن ويعز الفاجر ويعود الدين غريبا كما بدأ غريبا ، ويكون القائم فيه كالقابض على الجمر ، فيستوي حينئذ أول هذه الأمة بآخرها في فضل العمل إلا أهل 
بدر  والحديبية  ، ومن تدبر آثار هذا الباب بان له الصواب ، والله يؤتي فضله من يشاء . 
الثالثة : قوله تعالى : 
تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر مدح لهذه الأمة ما أقاموا ذلك واتصفوا به . فإذا تركوا التغيير وتواطئوا على المنكر زال عنهم اسم المدح ولحقهم اسم الذم ، وكان ذلك سببا لهلاكهم . وقد تقدم الكلام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أول السورة .  
[ ص: 165 ] قوله تعالى : 
ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم أخبر أن إيمان 
أهل الكتاب  بالنبي - صلى الله عليه وسلم - خير لهم ، وأخبر أن منهم مؤمنا وفاسقا ، وأن الفاسق أكثر .