( 
ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا  ( 85 ) ) 
قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله - هو 
ابن مسعود  رضي الله عنه - قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=821902كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث في المدينة ، وهو متوكئ على عسيب ، فمر بقوم من اليهود ، فقال بعضهم لبعض : سلوه عن الروح . فقال بعضهم : لا تسألوه . قال : فسألوه عن الروح فقالوا يا محمد  ، ما الروح ؟ فما زال متوكئا على العسيب ، قال : فظننت أنه يوحى إليه ، فقال : ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا  )  [ ص: 114 ] 
فقال بعضهم لبعض : قد قلنا لكم لا تسألوه  . 
وهكذا رواه 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري  ومسلم  من حديث 
الأعمش  ، به . ولفظ 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري  عند تفسير هذه الآية ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود  قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=821903بينا أنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث ، وهو متوكئ على عسيب ، إذ مر اليهود فقال بعضهم لبعض : سلوه عن الروح ، فقال : ما رابكم إليه . وقال بعضهم : لا يستقبلنكم بشيء تكرهونه . فقالوا سلوه فسألوه عن الروح ، فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليهم شيئا ، فعلمت أنه يوحى إليه ، فقمت مقامي ، فلما نزل الوحي قال : ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي  ) الآية  . 
وهذا السياق يقتضي فيما يظهر بادي الرأي أن هذه الآية مدنية ، وأنها إنما نزلت حين سأله اليهود ، عن ذلك 
بالمدينة  ، مع أن السورة كلها مكية . وقد يجاب عن هذا : بأنه قد يكون نزلت عليه 
بالمدينة  مرة ثانية كما نزلت عليه بمكة قبل ذلك ، أو أنه نزل عليه الوحي بأنه يجيبهم عما سألوا بالآية المتقدم إنزالها عليه ، وهي هذه الآية : ( ويسألونك عن الروح ) ومما يدل على نزول هذه الآية بمكة ما قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد   : 
حدثنا 
قتيبة  ، حدثنا 
يحيى بن زكريا  ، عن 
داود  ، عن 
عكرمة  ، عن 
ابن عباس  قال : قالت 
قريش  ليهود : أعطونا شيئا نسأل عنه هذا الرجل . فقالوا : سلوه عن الروح . فسألوه ، فنزلت : ( 
ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا  ) قالوا : أوتينا علما كثيرا ، أوتينا التوراة ، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا . قال : وأنزل الله : ( 
قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا  ) [ الكهف : 109 ] . 
وقد روى 
ابن جرير  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى  ، عن 
عبد الأعلى  ، عن 
داود  ، 
nindex.php?page=hadith&LINKID=825655عن عكرمة  قال : سأل أهل الكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح ، فأنزل الله : ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا  ) فقالوا يزعم أنا لم نؤت من العلم إلا قليلا وقد أوتينا التوراة ، وهي الحكمة ( ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا  ) ؟ [ البقرة : 269 ] قال : فنزلت : ( ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله  )  [ لقمان : 27 ] . قال : ما أوتيتم من علم ، فنجاكم الله به من النار ، فهو كثير طيب وهو في علم الله قليل . 
وقال 
محمد بن إسحاق  ، عن بعض أصحابه ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16572عطاء بن يسار  قال : 
نزلت بمكة   : ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا  ) فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، أتاه أحبار يهود . وقالوا يا محمد  ، ألم  [ ص: 115 ] يبلغنا عنك أنك تقول : ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا  ) أفعنيتنا أم عنيت قومك ؟ فقال : " كلا قد عنيت " . قالوا : إنك تتلو أنا أوتينا التوراة ، وفيها تبيان كل شيء ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هي في علم الله قليل ، وقد آتاكم ما إن عملتم به استقمتم " ، وأنزل الله : ( ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم  )  [ لقمان : 27 ] . 
وقد اختلف المفسرون في المراد بالروح هاهنا على أقوال : 
أحدها : أن المراد [ بالروح ] : أرواح بني آدم . 
قال 
العوفي  ، عن 
ابن عباس  في قوله : ( ويسألونك عن الروح ) الآية ، وذلك 
أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : أخبرنا عن الروح ؟ وكيف تعذب الروح التي في الجسد ، وإنما الروح من الله ؟ ولم يكن نزل عليه فيه شيء ، فلم يحر إليهم شيئا . فأتاه جبريل  فقال له : ( قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا  ) فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، فقالوا : من جاءك بهذا ؟ فقال : " جاءني به جبريل  من عند الله ؟ " فقالوا له : والله ما قاله لك إلا عدو لنا . فأنزل الله : ( قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله [ مصدقا لما بين يديه ]  ) الآية [ البقرة : 97  ] . 
وقيل : المراد بالروح هاهنا : 
جبريل   . قاله 
قتادة  ، قال : وكان 
ابن عباس  يكتمه . 
وقيل : المراد به هاهنا : ملك عظيم بقدر المخلوقات كلها . قال 
علي بن أبي طلحة  ، عن 
ابن عباس  قوله : ( ويسألونك عن الروح ) يقول : الروح : ملك . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني   : حدثنا 
محمد بن عبد الله بن عرس المصري  ، حدثنا 
وهب بن رزق أبو هريرة  حدثنا 
بشر بن بكر  ، حدثنا 
الأوزاعي  ، حدثنا 
عطاء  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس  قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=825658 " إن لله ملكا ، لو قيل له : التقم السماوات السبع والأرضين بلقمة واحدة ، لفعل ، تسبيحه : سبحانك حيث كنت "  . 
وهذا حديث غريب ، بل منكر . 
وقال 
أبو جعفر بن جرير  ، رحمه الله : حدثني 
علي  ، حدثني 
عبد الله  ، حدثني 
أبو نمران يزيد بن سمرة  صاحب قيسارية ، عمن حدثه عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب   - رضي الله عنه - أنه قال في قوله : ( ويسألونك عن الروح ) قال : هو ملك من الملائكة ، له سبعون ألف وجه ، لكل وجه منها سبعون ألف لسان ، لكل لسان منها [ سبعون ] ألف لغة ، يسبح الله تعالى بتلك اللغات كلها ، يخلق الله من كل تسبيحة ملكا يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة  .  
[ ص: 116 ] 
وهذا أثر غريب عجيب ، والله أعلم . 
وقال 
السهيلي   : روي عن 
علي  أنه قال : هو ملك ، له مائة ألف رأس ، لكل رأس مائة ألف وجه ، في كل وجه مائة ألف فم ، في كل فم مائة ألف لسان ، يسبح الله تعالى بلغات مختلفة  . 
قال 
السهيلي   : وقيل المراد بذلك : طائفة من الملائكة على صور بني آدم . 
وقيل : طائفة يرون الملائكة ولا تراهم فهم للملائكة كالملائكة لبني آدم . 
وقوله : ( قل الروح من أمر ربي ) أي : من شأنه ، ومما استأثر بعلمه دونكم ؛ ولهذا قال : ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) أي : وما أطلعكم من علمه إلا على القليل ، فإنه لا يحيط أحد بشيء من علمه إلا بما شاء تبارك وتعالى . 
والمعنى : أن علمكم في علم الله قليل ، وهذا الذي تسألون عنه من أمر الروح مما استأثر به تعالى ، ولم يطلعكم عليه ، كما أنه لم يطلعكم إلا على القليل من علمه تعالى . وسيأتي إن شاء الله في قصة 
موسى  والخضر   : أن 
الخضر  نظر إلى عصفور وقع على حافة السفينة ، فنقر في البحر نقرة ، أي : شرب منه بمنقاره ، فقال : يا 
موسى  ، ما علمي وعلمك وعلم الخلائق في علم الله إلا كما أخذ هذا العصفور من هذا البحر . أو كما قال صلوات الله وسلامه عليه ؛ ولهذا قال تبارك وتعالى : ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) 
وقال 
السهيلي   : قال بعض الناس : لم يجبهم عما سألوا ؛ لأنهم سألوا على وجه التعنت . وقيل : أجابهم ، وعول 
السهيلي  على أن المراد بقوله : ( قل الروح من أمر ربي ) أي : من شرعه ، أي : فادخلوا فيه ، وقد علمتم ذلك لأنه لا سبيل إلى معرفة هذا من طبع ولا فلسفة ، وإنما ينال من جهة الشرع . وفي هذا المسلك الذي طرقه وسلكه نظر ، والله أعلم . 
ثم ذكر 
السهيلي  الخلاف بين العلماء في أن 
الروح هي النفس ، أو غيرها ، وقرر أنها ذات لطيفة كالهواء ، سارية في الجسد كسريان الماء في عروق الشجر . وقرر أن الروح التي ينفخها الملك في الجنين هي النفس بشرط اتصالها بالبدن ، واكتسابها بسببه صفات مدح أو ذم ، فهي إما نفس مطمئنة أو أمارة بالسوء . قال : كما أن الماء هو حياة الشجر ، ثم يكسب بسبب اختلاطه معها اسما خاصا ، فإذا اتصل بالعنبة وعصر منها صار إما مصطارا أو خمرا ، ولا يقال له : " ماء " حينئذ إلا على سبيل المجاز ، وهكذا لا يقال للنفس : " روح " إلا على هذا النحو ، وكذلك لا يقال للروح : نفس إلا باعتبار ما تئول إليه . فحاصل ما يقول أن الروح أصل النفس ومادتها ، والنفس مركبة منها ومن اتصالها بالبدن ، فهي هي من وجه لا من كل وجه وهذا معنى حسن ، والله أعلم . 
قلت : وقد تكلم الناس في ماهية الروح وأحكامها وصنفوا في ذلك كتبا . ومن أحسن من تكلم على ذلك الحافظ ابن منده ، في كتاب سمعناه في : الروح .