[ ص: 189 ]  ( 
ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا  ( 83 ) ) 
( 
إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا  ( 84 ) ) . 
يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( ويسألونك ) يا 
محمد   ( 
عن ذي القرنين  ) أي : عن خبره . وقد قدمنا أنه بعث كفار مكة إلى أهل الكتاب يسألون منهم ما يمتحنون به النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : سلوه عن رجل طواف في الأرض ، وعن فتية لا يدرى ما صنعوا ، وعن الروح ، فنزلت سورة الكهف . 
وقد أورد 
ابن جرير  هاهنا ، 
والأموي  في مغازيه ، حديثا أسنده وهو ضعيف ، عن 
عقبة بن عامر  ، أن نفرا من اليهود جاءوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15873ذي القرنين  ، فأخبرهم بما جاءوا له ابتداء ، فكان فيما أخبرهم به : 
 " أنه كان شابا من الروم  ، وأنه بنى الإسكندرية ، وأنه علا به ملك في السماء ، وذهب به إلى السد ، ورأى أقواما وجوههم مثل وجوه الكلاب "  . وفيه طول ونكارة ، ورفعه لا يصح ، وأكثر ما فيه أنه من أخبار 
بني إسرائيل   . والعجب أن 
أبا زرعة الرازي  ، مع جلالة قدره ، ساقه بتمامه في كتابه دلائل النبوة ، وذلك غريب منه ، وفيه من النكارة أنه من الروم ، وإنما الذي كان من الروم 
الإسكندر الثاني ابن فيليبس المقدوني  ، الذي تؤرخ به الروم ، فأما الأول فقد ذكره 
الأزرقي  وغيره أنه طاف بالبيت مع 
إبراهيم الخليل  ، عليه السلام ، أول ما بناه وآمن به واتبعه ، وكان معه 
الخضر ،  عليه السلام ، وأما الثاني فهو ، 
إسكندر بن فيليبس المقدوني اليوناني  ، وكان وزيره 
أرسطاطاليس  الفيلسوف المشهور ، والله أعلم . وهو الذي تؤرخ به من مملكته ملة الروم . وقد كان قبل 
المسيح ،  عليه السلام ، بنحو من ثلاثمائة سنة ، فأما الأول المذكور في القرآن فكان في زمن الخليل ، كما ذكره الأزرقي وغيره ، وأنه طاف مع الخليل بالبيت العتيق لما بناه 
إبراهيم ،  عليه السلام ، وقرب إلى الله قربانا ، وقد ذكرنا طرفا من أخباره في كتاب " البداية والنهاية " ، بما فيه كفاية ولله الحمد . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه   : كان ملكا ، وإنما سمي 
ذا القرنين  ؛ لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس ، قال : وقال بعض أهل الكتاب : لأنه ملك الروم وفارس . وقال بعضهم : كان في رأسه شبه القرنين ، وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري  عن 
حبيب بن أبي ثابت  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11871أبي الطفيل  قال : سئل 
علي ،  رضي الله عنه ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15873ذي القرنين  ، فقال : كان عبدا ناصح الله فناصحه ، دعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فمات ، فأحياه الله ، فدعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فمات ، فسمي ذا القرنين  . 
وكذا رواه شعبة ، عن 
القاسم بن أبي بزة  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11871أبي الطفيل  ، سمع 
عليا  يقول ذلك . 
ويقال : إنه إنما سمي ذا القرنين ؛ لأنه بلغ المشارق والمغارب ، من حيث يطلع قرن الشمس ويغرب . 
وقوله ( 
إنا مكنا له في الأرض  ) أي : أعطيناه ملكا عظيما متمكنا ، فيه له من جميع ما يؤتى الملوك ، من التمكين والجنود ، وآلات الحرب والحصارات ؛ ولهذا ملك المشارق والمغارب من الأرض ، ودانت له البلاد ، وخضعت له ملوك العباد ، وخدمته الأمم ، من العرب والعجم ؛ ولهذا ذكر  
[ ص: 190 ] بعضهم أنه إنما سمي ذا القرنين ؛ لأنه بلغ قرني الشمس مشرقها ومغربها . 
وقوله : ( 
وآتيناه من كل شيء سببا  ) : قال 
ابن عباس  ، 
ومجاهد ،   nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير  ، 
وعكرمة ،   nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ،  وقتادة ،  والضحاك ،  وغيرهم : يعني علما . 
وقال 
قتادة  أيضا في قوله : ( 
وآتيناه من كل شيء سببا  ) قال : منازل الأرض وأعلامها . 
وقال 
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم  في قوله : ( 
وآتيناه من كل شيء سببا  ) قال : تعليم الألسنة ، كان لا يغزو قوما إلا كلمهم بلسانهم . 
وقال 
ابن لهيعة   : حدثني 
سالم بن غيلان  ، عن 
سعيد بن أبي هلال  ؛ أن 
 nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية بن أبي سفيان  قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=16850لكعب الأحبار   : أنت تقول : إن ذا القرنين كان يربط خيله بالثريا ؟ فقال له 
كعب   : إن كنت قلت ذلك ، فإن الله تعالى قال : ( 
وآتيناه من كل شيء سببا  ) . 
وهذا الذي أنكره 
معاوية ،  رضي الله عنه ، على 
كعب الأحبار  هو الصواب ، والحق مع 
معاوية  في الإنكار ؛ فإن 
معاوية  كان يقول عن 
كعب   :  " إن كنا لنبلو عليه الكذب " يعني : فيما ينقله ، لا أنه كان يتعمد نقل ما ليس في صحيفته ، ولكن الشأن في صحيفته ، أنها من الإسرائيليات التي غالبها مبدل مصحف محرف مختلق ولا حاجة لنا مع خبر الله ورسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إلى شيء منها بالكلية ، فإنه دخل منها على الناس شر كثير وفساد عريض . وتأويل 
كعب  قول الله : ( 
وآتيناه من كل شيء سببا  ) واستشهاده في ذلك على ما يجده في صحيفته من أنه كان يربط خيله بالثريا غير صحيح ولا مطابق ؛ فإنه لا سبيل للبشر إلى شيء من ذلك ، ولا إلى الترقي في أسباب السماوات . وقد قال الله في حق 
بلقيس   : ( 
وأوتيت من كل شيء  ) [ النمل : 23 ] أي : مما يؤتى مثلها من الملوك ، وهكذا 
ذو القرنين  يسر الله له الأسباب ، أي : الطرق والوسائل إلى فتح الأقاليم والرساتيق والبلاد والأراضي وكسر الأعداء ، وكبت ملوك الأرض ، وإذلال أهل الشرك . قد أوتي من كل شيء مما يحتاج إليه مثله سببا ، والله أعلم . 
وفي " المختارة " 
 nindex.php?page=showalam&ids=14679للحافظ الضياء المقدسي  ، من طريق 
قتيبة ،  عن 
أبي عوانة  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16052سماك بن حرب  ، عن 
حبيب بن حماز  قال : كنت عند 
علي ،  رضي الله عنه ، وسأله رجل عن ذي القرنين : كيف بلغ المشارق والمغارب ؟ فقال سبحان الله سخر له السحاب ، وقدر له الأسباب ، وبسط له اليد  .