( 
يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا  ( 12 ) 
وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا  ( 13 ) 
وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا  ( 14 ) 
وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا  ( 15 ) ) . 
وهذا أيضا تضمن محذوفا ، تقديره : أنه وجد هذا الغلام المبشر به ، وهو 
يحيى ،  عليه السلام ، وأن الله علمه الكتاب ، وهو التوراة التي كانوا يتدارسونها بينهم ، ويحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار . وقد كان سنه إذ ذاك صغيرا ، فلهذا نوه بذكره ، وبما أنعم به عليه وعلى والديه ، فقال : ( 
يا يحيى خذ الكتاب بقوة  ) أي : تعلم الكتاب ) بقوة ) أي : بجد وحرص واجتهاد ( 
وآتيناه الحكم صبيا  ) أي : الفهم والعلم والجد والعزم ، والإقبال على الخير ، والإكباب عليه ، والاجتهاد فيه وهو صغير حدث السن . 
قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك   : قال 
معمر   : قال الصبيان 
ليحيى بن زكريا   : اذهب بنا نلعب . قال : ما للعب خلقت ، قال : فلهذا أنزل الله : ( 
وآتيناه الحكم صبيا  ) . 
وقوله : ( 
وحنانا من لدنا  ) قال 
علي بن أبي طلحة  ، عن 
ابن عباس   : ( 
وحنانا من لدنا  ) يقول : ورحمة من عندنا ، وكذا قال 
عكرمة ،  وقتادة ،  والضحاك  وزاد : لا يقدر عليها غيرنا . وزاد 
قتادة   : رحم بها 
زكريا   . 
وقال 
مجاهد   : ( 
وحنانا من لدنا  ) وتعطفا من ربه عليه . 
وقال 
عكرمة   : ( 
وحنانا من لدنا  ) قال : محبة عليه . وقال 
ابن زيد   : أما الحنان فالمحبة . وقال 
عطاء بن أبي رباح   : ( 
وحنانا من لدنا  ) ، قال : تعظيما من لدنا .  
[ ص: 217 ] 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج   : أخبرني 
 nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار  ، أنه سمع 
عكرمة  عن 
ابن عباس  قال : لا والله ما أدري ما حنانا . 
وقال 
ابن جرير   : حدثنا 
ابن حميد  ، حدثنا 
جرير ،  عن 
منصور   : سألت 
سعيد بن جبير  عن قوله : ( 
وحنانا من لدنا  ) ، فقال : سألت عنها 
عباسا ،  فلم يحر فيها شيئا . 
والظاهر من هذا السياق أن : ( 
وحنانا من لدنا  ) معطوف على قوله : ( 
وآتيناه الحكم صبيا  ) أي : وآتيناه الحكم وحنانا ، ( وزكاة ) أي : وجعلناه ذا حنان وزكاة ، فالحنان هو المحبة في شفقة وميل كما تقول العرب : حنت الناقة على ولدها ، وحنت المرأة على زوجها . ومنه سميت المرأة " حنة " من الحنة ، وحن الرجل إلى وطنه ، ومنه التعطف والرحمة ، كما قال الشاعر : 
تحنن علي هداك المليك فإن لكل مقام مقالا 
وفي المسند 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251للإمام أحمد  ، عن 
أنس ،  رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=825698 " يبقى رجل في النار ينادي ألف سنة : يا حنان يا منان " 
وقد يثني ومنهم من يجعل ما ورد من ذلك لغة بذاتها ، كما قال طرفة : 
أنا منذر أفنيت فاستبق بعضنا     حنانيك بعض الشر أهون من بعض 
وقوله : ( وزكاة ) معطوف على ) وحنانا ) فالزكاة الطهارة من الدنس والآثام والذنوب . 
وقال 
قتادة   : الزكاة العمل الصالح . 
وقال 
الضحاك   nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج   : العمل الصالح الزكي . 
وقال 
العوفي  عن 
ابن عباس   : ( 
وزكاة  ) قال : بركة ( 
وكان تقيا  ) طهر ، فلم يعمل بذنب . 
وقوله : ( 
وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا  ) لما ذكر تعالى طاعته لربه ، وأنه خلقه ذا رحمة وزكاة وتقى ، عطف بذكر طاعته لوالديه وبره بهما ، ومجانبته عقوقهما ، قولا وفعلا وأمرا ونهيا; ولهذا قال : ( 
ولم يكن جبارا عصيا  ) ثم قال بعد هذه الأوصاف الجميلة جزاء له على ذلك : ( 
وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا  ) أي : له الأمان في هذه الثلاثة الأحوال . 
وقال 
سفيان بن عيينة   : أوحش ما يكون الخلق في ثلاثة مواطن : يوم يولد ، فيرى نفسه خارجا مما كان فيه ، ويوم يموت فيرى قوما لم يكن عاينهم ، ويوم يبعث ، فيرى نفسه في محشر عظيم . قال : فأكرم الله فيها 
يحيى بن زكريا  فخصه بالسلام عليه ،  ( 
وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا  )  
[ ص: 218 ] رواه 
ابن جرير  عن 
أحمد بن منصور المروزي  عن 
صدقة بن الفضل  عنه . 
وقال 
عبد الرزاق   : أخبرنا 
معمر ،  عن 
قتادة ،  في قوله : ( 
جبارا عصيا  ) ، قال : كان 
ابن المسيب  يذكر ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=825699 " ما من أحد يلقى الله يوم القيامة إلا ذا ذنب ، إلا يحيى بن زكريا   "  . قال 
قتادة   : ما أذنب ولا هم بامرأة . مرسل 
وقال 
محمد بن إسحاق  ، عن 
يحيى بن سعيد ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب  ، حدثني 
ابن العاص  أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=825700 " كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب ، إلا ما كان من يحيى بن زكريا   " ابن إسحاق هذا مدلس ، وقد عنعن هذا الحديث ، فالله أعلم . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد   : حدثنا 
عفان ،  حدثنا 
حماد ،  أخبرنا 
علي بن زيد  ، عن 
يوسف بن مهران  ، عن 
ابن عباس  ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=821979 " ما من أحد من ولد آدم إلا وقد أخطأ ، أو هم بخطيئة ، ليس يحيى بن زكريا  ، وما ينبغي لأحد أن يقول : أنا خير من يونس بن متى   " 
وهذا أيضا ضعيف ; لأن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16621علي بن زيد بن جدعان  له منكرات كثيرة ، والله أعلم . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12514سعيد بن أبي عروبة  ، عن 
قتادة   : أن 
حسنا  قال : 
إن يحيى  وعيسى ،  عليهما السلام ، التقيا ، فقال له عيسى   : استغفر لي ، أنت خير مني ، فقال له الآخر : استغفر لي فأنت خير مني  . فقال له 
عيسى   : أنت خير مني ، سلمت على نفسي ، وسلم الله عليك ، فعرف والله فضلهما  .