[ ص: 409 ]  ( 
إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والبادي ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم  ( 25 ) ) . 
يقول تعالى منكرا على الكفار في صدهم المؤمنين عن إتيان 
المسجد الحرام  ، وقضاء مناسكهم فيه ، ودعواهم أنهم أولياؤه : ( 
وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون  ) [ الأنفال : 34 ] . 
وفي هذه الآية دليل [ على ] أنها مدنية ، كما قال في سورة " البقرة " : ( 
يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله  ) [ البقرة : 217 ] ، وقال : هاهنا : ( 
إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام  ) أي : ومن صفتهم مع كفرهم أنهم يصدون عن سبيل الله 
والمسجد الحرام ،  أي : ويصدون عن 
المسجد الحرام  من أراده من المؤمنين الذين هم أحق الناس به في نفس الأمر ، وهذا التركيب في هذه الآية كقوله تعالى : ( 
الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب  ) [ الرعد : 28 ] أي : ومن صفتهم أنهم تطمئن قلوبهم بذكر الله . 
وقوله : ( 
الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد  ) [ أي : يمنعون الناس عن الوصول إلى المسجد الحرام ، وقد جعله الله شرعا سواء ، لا فرق فيه بين المقيم فيه والنائي عنه البعيد الدار منه ، ( 
سواء العاكف فيه والباد  ) ] ومن ذلك استواء الناس في 
رباع مكة  وسكناها ، كما قال 
علي بن أبي طلحة ،  عن 
ابن عباس  في قوله : ( 
سواء العاكف فيه والباد  ) قال : ينزل أهل 
مكة  وغيرهم في 
المسجد الحرام   . 
وقال 
مجاهد   [ في قوله ] : ( 
سواء العاكف فيه والباد  ) : أهل 
مكة  وغيرهم فيه سواء في المنازل . وكذا قال 
أبو صالح ،  وعبد الرحمن بن سابط ،  وعبد الرحمن بن زيد [ بن أسلم ]   . 
وقال 
عبد الرزاق ،  عن 
معمر ،  عن 
قتادة   : سواء فيه أهله وغير أهله . 
وهذه المسألة اختلف فيها 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي   nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق ابن راهويه  بمسجد الخيف  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل  حاضر أيضا ، فذهب 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،  رحمه الله إلى أن 
رباع مكة  تملك وتورث وتؤجر ، واحتج بحديث 
الزهري ،  عن 
علي بن الحسين ،  عن 
عمرو بن عثمان ،  عن 
أسامة بن زيد  قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=822089قلت : يا رسول الله ، أتنزل غدا في دارك بمكة؟  فقال : " وهل ترك لنا عقيل  من رباع " . ثم قال : " لا يرث الكافر المسلم ، ولا المسلم الكافر "  . وهذا الحديث مخرج في الصحيحين [ وبما ثبت أن 
 nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب  اشترى من 
صفوان بن أمية  دارا 
بمكة ،  فجعلها سجنا بأربعة آلاف درهم . وبه قال 
طاوس ،   nindex.php?page=showalam&ids=16705وعمرو بن دينار   . 
وذهب 
إسحاق ابن راهويه  إلى أنها تورث ولا تؤجر . وهو مذهب طائفة من السلف ، ونص عليه  
[ ص: 410 ] مجاهد   nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ،  واحتج 
إسحاق ابن راهويه  بما رواه 
ابن ماجه ،  عن 
أبي بكر بن أبي شيبة ،  عن 
عيسى بن يونس ،  عن 
عمر بن سعيد بن أبي حسين  ، عن 
عثمان بن أبي سليمان ،  عن 
علقمة بن نضلة  قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=822090توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر  وعمر ،  وما تدعى رباع مكة إلا ] السوائب ، من احتاج سكن ، ومن استغنى أسكن 
وقال 
عبد الرزاق  عن 
ابن مجاهد ،  عن أبيه ، عن 
عبد الله بن عمرو  أنه قال : لا يحل بيع دور مكة ولا كراؤها . 
وقال أيضا عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج   : كان 
عطاء  ينهى عن الكراء في 
الحرم ،  وأخبرني أن 
 nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب  كان ينهى أن تبوب دور 
مكة;  لأن ينزل الحاج في عرصاتها ، فكان أول من بوب داره 
 nindex.php?page=showalam&ids=3795سهيل بن عمرو  ، فأرسل إليه 
 nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب  في ذلك ، فقال : أنظرني يا أمير المؤمنين ، إني كنت امرأ تاجرا ، فأردت أن أتخذ بابين يحبسان لي ظهري قال : فذلك إذا . 
وقال 
عبد الرزاق ،  عن 
معمر ،  عن 
منصور ،  عن 
مجاهد;  أن 
 nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب  قال : يا أهل 
مكة ،  لا تتخذوا لدوركم أبوابا لينزل البادي حيث يشاء . 
قال : وأخبرنا 
معمر ،  عمن سمع 
عطاء  يقول [ في قوله ] : ( 
سواء العاكف فيه والباد  ) ، قال : ينزلون حيث شاءوا . 
وروى 
 nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني  من حديث 
ابن أبي نجيح ،  عن 
عبد الله بن عمرو  موقوفا 
nindex.php?page=hadith&LINKID=825763من أكل كراء بيوت مكة  أكل نارا  . 
" وتوسط الإمام 
أحمد   [ فيما نقله 
صالح  ابنه ] فقال : تملك وتورث ولا تؤجر ، جمعا بين الأدلة ، والله أعلم . 
وقوله : ( 
ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم  ) قال بعض المفسرين من أهل العربية : الباء هاهنا زائدة ، كقوله : ( 
تنبت بالدهن  ) [ المؤمنون : 20 ] أي : تنبت الدهن ، وكذا قوله : ( 
ومن يرد فيه بإلحاد  ) تقديره إلحادا ، وكما قال 
الأعشى   : 
ضمنت برزق عيالنا أرماحنا بين المراجل ، والصريح الأجرد 
وقال الآخر : 
بواد يمان ينبت الشث صدره     وأسفله بالمرخ والشبهان 
 [ ص: 411 ] 
والأجود أنه ضمن الفعل هاهنا معنى " يهم " ، ولهذا عداه بالباء ، فقال : ( 
ومن يرد فيه بإلحاد بظلم  ) أي : يهم فيه بأمر فظيع من المعاصي الكبار . 
وقوله : ( بظلم ) أي : عامدا قاصدا أنه ظلم ليس بمتأول ، كما قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  ، عن 
ابن عباس   : هو [ التعمد ] . 
قال 
علي بن أبي طلحة ،  عن 
ابن عباس   : ( بظلم ) بشرك . 
وقال 
مجاهد   : أن يعبد فيه غير الله . وكذا قال 
قتادة ،  وغير واحد . 
وقال 
العوفي ،  عن 
ابن عباس   : ( بظلم ) هو أن تستحل من الحرم ما حرم الله عليك من لسان أو قتل ، فتظلم من لا يظلمك ، وتقتل من لا يقتلك ، فإذا فعل ذلك فقد وجب [ له ] العذاب الأليم  . 
وقال 
مجاهد   : ( بظلم ) : يعمل فيه عملا سيئا . 
وهذا 
من خصوصية الحرم أنه يعاقب البادي فيه الشر ، إذا كان عازما عليه ، وإن لم يوقعه ، كما قال 
ابن أبي حاتم  في تفسيره : 
حدثنا 
أحمد بن سنان ،  حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون ،  أنبأنا 
شعبة ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي   : أنه سمع 
مرة  يحدث عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله - يعني ابن مسعود   - في قوله : ( 
ومن يرد فيه بإلحاد بظلم  ) قال : لو أن رجلا أراد فيه بإلحاد بظلم ، وهو 
بعدن أبين ،  أذاقه الله من العذاب الأليم . 
قال 
شعبة   : هو رفعه لنا ، وأنا لا أرفعه لكم . قال 
يزيد   : هو قد رفعه ، ورواه 
أحمد ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون ،  به . 
[ قلت : هذا الإسناد ] صحيح على شرط 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ،  ووقفه أشبه من رفعه; ولهذا صمم 
شعبة  على وقفه من كلام 
ابن مسعود   . وكذلك رواه 
أسباط ،   nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان الثوري ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ،  عن 
مرة ،  عن 
ابن مسعود  موقوفا ، والله أعلم . 
وقال 
الثوري ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ،  عن 
مرة ،  عن 
عبد الله  قال : ما من رجل يهم بسيئة فتكتب عليه ، ولو أن رجلا 
بعدن أبين  هم أن يقتل رجلا بهذا البيت ، لأذاقه الله من العذاب الأليم . وكذا قال 
الضحاك بن مزاحم   . 
وقال 
سفيان [ الثوري ]  ، عن 
منصور ،  عن 
مجاهد   " إلحاد فيه " ، لا والله ، وبلى والله . وروي عن 
مجاهد ،  عن 
عبد الله بن عمرو  ، مثله .  
[ ص: 412 ] وقال 
سعيد بن جبير   : شتم الخادم ظلم فما فوقه . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ،  عن 
عبد الله بن عطاء ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=17188ميمون بن مهران ،  عن 
ابن عباس  في قوله : ( 
ومن يرد فيه بإلحاد بظلم  ) قال : تجارة الأمير فيه . 
وعن 
ابن عمر   : بيع الطعام [ بمكة ] إلحاد  . 
وقال 
حبيب بن أبي ثابت   : ( 
ومن يرد فيه بإلحاد بظلم  ) قال : المحتكر 
بمكة   . وكذا قال غير واحد . 
وقال 
ابن أبي حاتم   : حدثنا أبي ، حدثنا 
عبد الله بن إسحاق الجوهري ،  أنبأنا 
أبو عاصم ،  عن 
جعفر بن يحيى ،  عن عمه 
عمارة بن ثوبان ،  حدثني 
موسى بن باذان ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=120يعلى بن أمية;  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=822091 " احتكار الطعام بمكة إلحاد "  . 
وقال 
ابن أبي حاتم   : حدثنا 
أبو زرعة ،  حدثنا 
يحيى بن عبد الله بن بكير  ، حدثنا 
ابن لهيعة ،  حدثني 
عطاء بن دينار ،  حدثني 
سعيد بن جبير  قال : قال 
ابن عباس  في قول الله : ( 
ومن يرد فيه بإلحاد بظلم  ) قال : نزلت في 
عبد الله بن أنيس ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه مع رجلين ، أحدهما مهاجر والآخر من 
الأنصار ،  فافتخروا في الأنساب ، فغضب 
عبد الله بن أنيس ،  فقتل الأنصاري ، ثم ارتد عن الإسلام ، وهرب إلى 
مكة ،  فنزلت فيه : ( 
ومن يرد فيه بإلحاد بظلم  ) يعني : من لجأ إلى 
الحرم  بإلحاد يعني بميل عن الإسلام . 
وهذه الآثار ، وإن دلت على أن هذه الأشياء من الإلحاد ، ولكن هو أعم من ذلك ، بل فيها تنبيه على ما هو أغلظ منها ، ولهذا لما هم أصحاب الفيل على تخريب البيت أرسل الله عليهم طيرا أبابيل ( 
ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول  ) [ الفيل : 4 ، 5 ] ، أي : دمرهم وجعلهم عبرة ونكالا لكل من أراده بسوء; ولذلك ثبت في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=822092 " يغزو هذا البيت جيش ، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بأولهم وآخرهم " الحديث . 
وقال الإمام 
أحمد   : حدثنا 
محمد بن كناسة  ، حدثنا 
إسحاق بن سعيد  ، عن أبيه قال : أتى 
عبد الله بن عمر  عبد الله بن الزبير ،  فقال : يا 
ابن الزبير ،  إياك والإلحاد في حرم الله ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=822093 " إنه سيلحد فيه رجل من قريش ،  لو توزن ذنوبه بذنوب الثقلين لرجحت " ، فانظر لا تكن هو . 
وقال أيضا [ في مسند 
عبد الله بن عمرو بن العاص ]   : حدثنا 
هاشم ،  حدثنا 
إسحاق بن سعيد ،   [ ص: 413 ] حدثنا 
سعيد بن عمرو  قال : أتى 
عبد الله بن عمرو  ابن الزبير  ، وهو جالس في 
الحجر  فقال : 
يا بن الزبير ،  إياك والإلحاد في الحرم ، فإني أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=822094 " يحلها ويحل به رجل من قريش ،  ولو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لوزنتها "  . قال : فانظر لا تكن هو . 
ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب من هذين الوجهين .