( 
ياأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم  ( 51 ) 
وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون  ( 52 ) 
فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون  ( 53 ) 
فذرهم في غمرتهم حتى حين  ( 54 ) 
أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين  ( 55 ) 
نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون  ( 56 ) ) . 
يأمر تعالى عباده المرسلين ، عليهم الصلاة والسلام أجمعين ، بالأكل من الحلال ، والقيام بالصالح من الأعمال ، فدل هذا على أن الحلال عون على العمل الصالح ، فقام الأنبياء ، عليهم السلام ، بهذا أتم القيام . وجمعوا بين كل خير ، قولا وعملا ودلالة ونصحا ، فجزاهم الله عن العباد خيرا . 
قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري  في قوله : ( 
يا أيها الرسل كلوا من الطيبات  ) قال : أما والله ما أمروا بأصفركم ولا أحمركم ، ولا حلوكم ولا حامضكم ، ولكن قال : انتهوا إلى الحلال منه . 
وقال 
سعيد بن جبير ،  والضحاك   : ( 
كلوا من الطيبات  ) يعني : الحلال .  
[ ص: 478 ] 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11813أبو إسحاق السبيعي ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12171أبي ميسرة بن شرحبيل   : كان 
عيسى ابن مريم  يأكل من غزل أمه . 
وفي الصحيح : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=822162 " ما من نبي إلا رعى الغنم  " . قالوا : وأنت يا رسول الله؟ قال : " نعم ، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة   " . 
وفي الصحيح : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=822163أن داود ،  عليه السلام ، كان يأكل من كسب يده  . 
وفي الصحيحين : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=822164 " إن أحب الصيام إلى الله صيام داود ،  وأحب القيام إلى الله قيام داود ،  كان ينام نصف الليل ، ويقوم ثلثه وينام سدسه ، وكان يصوم يوما ويفطر يوما ، ولا يفر إذا لاقى "  . 
وقال 
ابن أبي حاتم   : حدثنا أبي ، حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=11931أبو اليمان الحكم بن نافع ،  حدثنا 
أبو بكر بن أبي مريم ،  عن 
ضمرة بن حبيب ،  أن 
أم عبد الله ، أخت شداد بن أوس  nindex.php?page=hadith&LINKID=825794بعثت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن عند فطره وهو صائم ، وذلك في أول النهار وشدة الحر ، فرد إليها رسولها : أنى كانت لك الشاة؟ فقالت : اشتريتها من مالي ، فشرب منه ، فلما كان الغد أتته أم عبد الله أخت شداد  فقالت : يا رسول الله ، بعثت إليك بلبن مرثية لك من طول النهار وشدة الحر ، فرددت إلي الرسول فيه؟ . فقال لها : " بذلك أمرت الرسل ، ألا تأكل إلا طيبا ، ولا تعمل إلا صالحا  " . 
وقد ثبت في صحيح 
مسلم ،  وجامع 
الترمذي ،  ومسند 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد  واللفظ له من حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=16796فضيل بن مرزوق ،  عن 
عدي بن ثابت ،  عن 
أبي حازم ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ،  رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=822165 " يا أيها الناس ، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال : ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم  ) . وقال : ( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم  ) [ البقرة : 172 ] . ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر ، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي بالحرام ، يمد يديه إلى السماء : يا رب ، يا رب ، فأنى يستجاب لذلك " . 
وقال 
الترمذي   : حسن غريب ، لا نعرفه إلا من حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=16796فضيل بن مرزوق   .  
[ ص: 479 ] 
وقوله : ( 
وإن هذه أمتكم أمة واحدة  ) أي : دينكم يا 
معشر الأنبياء دين واحد ، وملة واحدة ، وهو الدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له; ولهذا قال : ( 
وأنا ربكم فاتقون  ) ، وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة " الأنبياء " ، وأن قوله : ( أمة واحدة ) منصوب على الحال . 
وقوله : ( 
فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا  ) أي : الأمم الذين بعث إليهم الأنبياء ، ( 
كل حزب بما لديهم فرحون  ) أي : يفرحون بما هم فيه من الضلال; لأنهم يحسبون أنهم مهتدون; ولهذا قال متهددا لهم ومتواعدا : ( 
فذرهم في غمرتهم  ) أي : في غيهم وضلالهم ) حتى حين ) أي : إلى حين حينهم وهلاكهم ، كما قال تعالى : ( 
فمهل الكافرين أمهلهم رويدا  ) [ الطارق : 17 ] ، وقال تعالى : ( 
ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون  ) [ الحجر : 3 ] . 
وقوله : ( 
أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون  ) يعني : أيظن هؤلاء المغرورون أن ما نعطيهم من الأموال والأولاد لكرامتهم علينا ومعزتهم عندنا؟! كلا ليس الأمر كما يزعمون في قولهم : ( 
نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين  ) [ سبأ : 35 ] ، لقد أخطئوا في ذلك وخاب رجاؤهم ، بل إنما نفعل بهم ذلك استدراجا وإنظارا وإملاء ; ولهذا قال : ( 
بل لا يشعرون  ) ، كما قال تعالى : ( 
فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون  ) [ التوبة : 55 ] ، وقال تعالى : ( 
إنما نملي لهم ليزدادوا إثما  ) [ آل عمران : 178 ] ، وقال تعالى : ( 
فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين  ) [ القلم : 44 ، 45 ] ، وقال : ( 
ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا ومهدت له تمهيدا ثم يطمع أن أزيد كلا إنه كان لآياتنا عنيدا  ) [ المدثر : 11 16 ] وقال تعالى : ( 
وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون  ) [ سبأ : 37 ] والآيات في هذا كثيرة . 
قال 
قتادة  في قوله : ( 
أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون  ) قال : مكر والله بالقوم في أموالهم وأولادهم ، يا ابن آدم ، فلا تعتبر الناس بأموالهم وأولادهم ، ولكن اعتبرهم بالإيمان والعمل الصالح . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد   : حدثنا 
محمد [ بن عبيد ،  حدثنا 
أبان بن إسحاق ،  عن 
الصباح بن محمد ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=17058مرة الهمداني ،  حدثنا 
عبد الله ] بن مسعود  رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=820685 " إن الله قسم بينكم أخلاقكم ، كما قسم بينكم أرزاقكم ، وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ، ولا يعطي الدين إلا لمن أحب ، فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه ، والذي نفسي بيده ، لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه ، ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه قالوا : وما بوائقه يا نبي الله؟ قال : غشمه وظلمه  [ ص: 480 ] ولا يكسب عبد مالا من حرام فينفق منه فيبارك له فيه ، ولا يتصدق به فيقبل منه ، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار ، إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ ، ولكن يمحو السيئ بالحسن ، إن الخبيث لا يمحو الخبيث " .