1. الرئيسية
  2. تفسير ابن كثير
  3. تفسير سورة النور
  4. تفسير قوله تعالى " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة "
صفحة جزء
( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون ( 4 ) إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ( 5 ) )

هذه الآية الكريمة فيها بيان حكم جلد القاذف للمحصنة ، وهي الحرة البالغة العفيفة ، فإذا كان المقذوف رجلا فكذلك يجلد قاذفه أيضا ، ليس في هذا نزاع بين العلماء . فأما إن أقام القاذف بينة على صحة ما قاله ، رد عنه الحد; ولهذا قال تعالى : ( ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون ) ، فأوجب على القاذف إذا لم يقم بينة على [ ص: 14 ] صحة ما قاله ثلاثة أحكام :

أحدها : أن يجلد ثمانين جلدة .

الثاني : أنه ترد شهادته دائما .

الثالث : أن يكون فاسقا ليس بعدل ، لا عند الله ولا عند الناس .

ثم قال تعالى : ( إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ) ، اختلف العلماء في هذا الاستثناء : هل يعود إلى الجملة الأخيرة فقط فترفع التوبة الفسق فقط ، ويبقى مردود الشهادة دائما وإن تاب ، أو يعود إلى الجملتين الثانية والثالثة ؟ وأما الجلد فقد ذهب وانقضى ، سواء تاب أو أصر ، ولا حكم له بعد ذلك بلا خلاف - فذهب الإمام مالك والشافعي وأحمد بن حنبل إلى أنه إذا تاب قبلت شهادته ، وارتفع عنه حكم الفسق . ونص عليه سعيد بن المسيب - سيد التابعين - وجماعة من السلف أيضا .

وقال الإمام أبو حنيفة : إنما يعود الاستثناء إلى الجملة الأخيرة فقط ، فيرتفع الفسق بالتوبة ، ويبقى مردود الشهادة أبدا . وممن ذهب إليه من السلف القاضي - شريح ، وإبراهيم النخعي ، وسعيد بن جبير ، ومكحول ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم .

وقال الشعبي والضحاك : لا تقبل شهادته وإن تاب ، إلا أن يعترف على نفسه بأنه قد قال البهتان ، فحينئذ تقبل شهادته ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية