صفحة جزء
( تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا ( 61 ) وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ( 62 ) ) .

يقول تعالى ممجدا نفسه ، ومعظما على جميل ما خلق في السماء من البروج - وهي الكواكب العظام - في قول مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وأبي صالح ، والحسن ، وقتادة .

وقيل : هي قصور في السماء للحرس ، يروى هذا عن علي ، وابن عباس ، ومحمد بن كعب ، وإبراهيم النخعي ، وسليمان بن مهران الأعمش . وهو رواية عن أبي صالح أيضا ، والقول الأول أظهر . اللهم إلا أن يكون الكواكب العظام هي قصور للحرس ، فيجتمع القولان ، كما قال تعالى : ( ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين ) [ الملك : 5 ] ; ولهذا قال : ( تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا ) وهي الشمس المنيرة ، التي هي كالسراج في الوجود ، كما قال : ( وجعلنا سراجا وهاجا ) [ النبأ : 13 ] .

( وقمرا منيرا ) أي : مضيئا مشرقا بنور آخر ونوع وفن آخر ، غير نور الشمس ، كما قال : ( هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا ) [ يونس : 5 ] ، وقال مخبرا عن نوح ، عليه السلام ، أنه قال لقومه : ( ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا ) [ نوح : 15 - 16 ] .

[ ص: 121 ]

ثم قال : ( وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة ) أي : يخلف كل واحد منهما الآخر ، يتعاقبان لا يفتران . إذا ذهب هذا جاء هذا ، وإذا جاء هذا ذهب ذاك ، كما قال : ( وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار ) [ إبراهيم : 33 ] ، وقال ( يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ) [ الأعراف : 54 ] وقال : ( لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ) [ يس : 40 ] .

وقوله : ( لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ) أي : جعلهما يتعاقبان ، توقيتا لعبادة عباده له ، فمن فاته عمل في الليل استدركه في النهار ، ومن فاته عمل في النهار استدركه في الليل . وقد جاء في الحديث الصحيح : " إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل " .

قال أبو داود الطيالسي : حدثنا أبو حرة عن الحسن : أن عمر بن الخطاب أطال صلاة الضحى ، فقيل له : صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه؟ فقال : إنه بقي علي من وردي شيء ، فأحببت أن أتمه - أو قال : أقضيه - وتلا هذه الآية : ( وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ] ) .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس [ قوله : ( وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة ) ] يقول : من فاته شيء من الليل أن يعمله ، أدركه بالنهار ، أو من النهار أدركه بالليل . وكذا قال عكرمة ، وسعيد بن جبير . والحسن .

وقال مجاهد ، وقتادة : ( خلفة ) أي : مختلفين ، هذا بسواده ، وهذا بضيائه .

التالي السابق


الخدمات العلمية