( 
فأتبعوهم مشرقين  ( 60 ) 
فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون  ( 61 ) 
قال كلا إن معي ربي سيهدين  ( 62 ) 
فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم  ( 63 ) 
وأزلفنا ثم الآخرين  ( 64 ) 
وأنجينا موسى ومن معه أجمعين  ( 65 ) 
ثم أغرقنا الآخرين  ( 66 ) 
إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين  ( 67 ) 
وإن ربك لهو العزيز الرحيم  ( 68 ) ) . 
ذكر غير واحد من المفسرين : أن 
فرعون  خرج في جحفل عظيم وجمع كبير ، وهو عبارة عن مملكة 
الديار المصرية  في زمانه ، أولي الحل والعقد والدول ، من الأمراء والوزراء والكبراء والرؤساء والجنود ، فأما ما ذكره غير واحد من الإسرائيليات ، من أنه خرج في ألف ألف وستمائة ألف فارس ، منها مائة ألف على خيل دهم ، وقال 
كعب الأحبار   : فيهم ثمانمائة ألف حصان أدهم ، ففي ذلك نظر . والظاهر أنه من مجازفات 
بني إسرائيل  ، والله ، سبحانه وتعالى ، أعلم . والذي أخبر به هو 
النافع  ، ولم يعين عدتهم; إذ لا فائدة تحته ، إلا أنهم خرجوا بأجمعهم . 
( 
فأتبعوهم مشرقين  ) أي : وصلوا إليهم عند شروق الشمس ، وهو طلوعها . 
( 
فلما تراءى الجمعان  ) أي : رأى كل من الفريقين صاحبه ، فعند ذلك ( 
قال أصحاب موسى إنا لمدركون  ) ، وذلك أنه انتهى بهم السير إلى سيف البحر ، وهو 
بحر القلزم  ، فصار أمامهم البحر ، 
وفرعون  قد أدركهم بجنوده ، فلهذا قالوا : ( 
إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين  ) أي : لا يصل إليكم  
[ ص: 144 ] شيء مما تحذرون ، فإن الله ، سبحانه ، هو الذي أمرني أن أسير هاهنا بكم ، وهو لا يخلف الميعاد . 
وكان 
هارون  ، عليه السلام ، في المقدمة ، ومعه 
يوشع بن نون  ، [ ومؤمن آل 
فرعون  وموسى  ، عليه السلام ، في الساقة ، وقد ذكر غير واحد من المفسرين : أنهم وقفوا لا يدرون ما يصنعون ، وجعل 
يوشع بن نون   ] ، أو مؤمن آل فرعون يقول 
لموسى  ، عليه السلام : يا نبي الله ، هاهنا أمرك الله أن تسير؟ فيقول : نعم ، واقترب 
فرعون  وجنوده ، ولم يبق إلا القليل ، فعند ذلك أمر الله نبيه 
موسى  أن يضرب بعصاه البحر ، فضربه ، وقال : انفلق بإذن الله . 
وقال 
ابن أبي حاتم   : حدثنا 
أبو زرعة  ، حدثنا 
صفوان بن صالح  ، حدثنا 
الوليد  ، حدثنا 
محمد بن حمزة [ بن محمد ] بن يوسف بن عبد الله بن سلام   : أن 
موسى  ، عليه السلام ، لما انتهى إلى البحر قال : يا من كان قبل كل شيء والمكون لكل شيء ، والكائن قبل كل شيء ، اجعل لنا مخرجا . فأوحى الله إليه : ( 
أن اضرب بعصاك البحر  ) . 
وقال 
قتادة   : أوحى الله تلك الليلة إلى البحر : أن إذا ضربك 
موسى  بعصاه فاسمع له وأطع ، فبات البحر تلك الليلة ، وله اضطراب ، ولا يدري من أي جانب يضربه 
موسى  ، فلما انتهى إليه 
موسى  قال له فتاه 
يوشع بن نون   : يا نبي الله ، أين أمرك ربك؟ قال : أمرني أن أضرب البحر . قال : فاضربه  . 
وقال 
محمد بن إسحاق   : أوحى الله - فيما ذكر لي - إلى البحر : أن إذا ضربك 
موسى  بعصاه فانفلق له . قال : فبات البحر يضرب بعضه بعضا ، فرقا من الله تعالى ، وانتظارا لما أمره الله ، وأوحى الله إلى 
موسى   : ( 
أن اضرب بعصاك البحر  ) ، فضربه بها وفيها ، سلطان الله الذي أعطاه ، فانفلق  . 
وذكر غير واحد أنه كناه فقال : انفلق علي أبا خالد بحول الله . 
قال الله تعالى : ( 
فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم  ) أي : كالجبل الكبير . قاله 
ابن مسعود  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=14980ومحمد بن كعب  ، 
والضحاك  ، 
وقتادة  ، وغيرهم . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني   : هو الفج بين الجبلين . 
وقال 
ابن عباس   : صار البحر اثني عشر طريقا ، لكل سبط طريق - وزاد 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي   : وصار فيه طاقات ينظر بعضهم إلى بعض ، وقام الماء على حيله كالحيطان ، وبعث الله الريح إلى قعر البحر فلفحته ، فصار يبسا كوجه الأرض ، قال الله تعالى : ( 
فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى  ) [ طه : 77 ] . 
وقال في هذه القصة : ( 
وأزلفنا  ) أي : هنالك ( 
الآخرين  ) . 
قال 
ابن عباس  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=16566وعطاء الخراساني  ، 
وقتادة  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي   : ( 
وأزلفنا  ) أي : قربنا 
فرعون  وجنوده  
[ ص: 145 ] من البحر وأدنيناهم إليه . 
( 
وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين  ) أي : أنجينا 
موسى  وبني إسرائيل  ومن معهم على دينهم فلم يهلك منهم أحد ، وأغرق 
فرعون  وجنوده ، فلم يبق منهم رجل إلا هلك . 
وقال 
ابن أبي حاتم   : حدثنا 
علي بن الحسين  ، حدثنا 
أبو بكر بن أبي شيبة  ، حدثنا 
شبابة  ، حدثنا 
يونس بن أبي إسحاق  ، عن 
أبي إسحاق  ، عن 
عمرو بن ميمون  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله - هو ابن مسعود -  أن 
موسى  ، عليه السلام ، حين أسرى 
ببني إسرائيل  بلغ 
فرعون  ذلك ، فأمر بشاة فذبحت ، ثم قال : لا والله لا يفرغ من سلخها حتى يجتمع إلي ستمائة ألف من 
القبط   . فانطلق 
موسى  حتى انتهى إلى البحر ، فقال له : انفرق . فقال البحر : لقد استكبرت يا موسى ، وهل انفرقت لأحد من ولد آدم فأنفرق لك؟ قال : ومع 
موسى  رجل على حصان له ، فقال له ذلك الرجل : أين أمرت يا نبي الله؟ قال : ما أمرت إلا بهذا الوجه [ يعني : البحر ، فأقحم فرسه ، فسبح به فخرج ، فقال : أين أمرت يا نبي الله؟ قال : ما أمرت إلا بهذا الوجه ] . قال : والله ما كذبت ولا كذبت . ثم اقتحم الثانية فسبح ، ثم خرج فقال : أين أمرت يا نبي الله؟ قال : ما أمرت إلا بهذا الوجه؟ قال : والله ما كذبت ولا كذبت . قال : فأوحى الله إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر ، فضربه 
موسى  بعصاه ، فانفلق ، فكان فيه اثنا عشر طريقا ، لكل سبط طريق يتراءون ، فلما خرج أصحاب 
موسى  وتتام أصحاب 
فرعون  ، التقى البحر عليهم فأغرقهم  . 
وفي رواية 
إسرائيل  ، عن 
أبي إسحاق  ، عن 
عمرو بن ميمون  ، عن 
عبد الله  قال : فلما خرج آخر أصحاب 
موسى  ، وتكامل أصحاب 
فرعون  ، اضطم عليهم البحر ، فما رئي سواد أكثر من يومئذ ، وغرق 
فرعون  لعنه الله . 
ثم قال تعالى : ( 
إن في ذلك لآية  ) أي : في هذه القصة وما فيها من العجائب والنصر والتأييد لعباد الله المؤمنين; لدلالة وحجة قاطعة وحكمة بالغة ، ( 
وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم  ) تقدم تفسيره .