( 
قالت ياأيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون  ( 32 ) 
قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين  ( 33 ) 
قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون  ( 34 ) 
وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون  ( 35 ) ) . 
لما قرأت عليهم كتاب 
سليمان  استشارتهم في أمرها ، وما قد نزل بها ; ولهذا قالت : ( 
يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون  ) أي : حتى تحضرون وتشيرون . 
( 
قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد  ) أي : منوا إليها بعددهم وعددهم وقوتهم ، ثم فوضوا إليها بعد ذلك الأمر فقالوا : ( 
والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين  ) أي : نحن ليس لنا عاقة [ ولا بنا بأس ، إن شئت أن تقصديه وتحاربيه ، فما لنا عاقة ] عنه . وبعد هذا فالأمر إليك ، مري فينا برأيك نمتثله ونطيعه . 
قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري  ، رحمه الله : فوضوا أمرهم إلى علجة تضطرب ثدياها ، فلما قالوا لها ما قالوا ، كانت هي أحزم رأيا منهم ، وأعلم بأمر 
سليمان ،  وأنه لا قبل لها بجنوده وجيوشه ، وما سخر له من الجن والإنس والطير ، وقد شاهدت من قضية الكتاب مع الهدهد أمرا عجيبا بديعا ، فقالت لهم : إني أخشى أن نحاربه ونمتنع عليه ، فيقصدنا بجنوده ، ويهلكنا بمن معه ، ويخلص إلي وإليكم الهلاك والدمار دون غيرنا ; ولهذا قالت : ( 
إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها  ) .  
[ ص: 190 ] 
قال 
ابن عباس   : أي إذا دخلوا بلدا عنوة أفسدوه ، أي : خربوه ، ( 
وجعلوا أعزة أهلها أذلة  ) أي : وقصدوا من فيها من الولاة والجنود ، فأهانوهم غاية الهوان ، إما بالقتل أو بالأسر . 
قال 
ابن عباس   : قالت 
بلقيس   : ( 
إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة  ) ، قال الرب ، عز وجل ( 
وكذلك يفعلون  ) . ثم عدلت إلى المهادنة والمصالحة والمسالمة والمخادعة والمصانعة ، فقالت : ( 
وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون  ) أي : سأبعث إليه بهدية تليق به وأنظر ماذا يكون جوابه بعد ذلك ، فلعله يقبل ذلك ويكف عنا ، أو يضرب علينا خراجا نحمله إليه في كل عام ، ونلتزم له بذلك ويترك قتالنا ومحاربتنا . قال 
قتادة   : رحمها الله ورضي عنها ، ما كان أعقلها في إسلامها وفي شركها!! علمت أن الهدية تقع موقعا من الناس . 
وقال 
ابن عباس  وغير واحد : قالت لقومها : إن قبل الهدية فهو ملك فقاتلوه ، وإن لم يقبلها فهو نبي فاتبعوه .