[ ص: 236 ]  ( 
قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون  ( 33 ) 
وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون  ( 34 ) 
قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون  ( 35 ) ) . 
لما أمره الله تعالى بالذهاب إلى 
فرعون  ، الذي إنما خرج من ديار 
مصر  فرارا منه وخوفا من سطوته ، ( 
قال رب إني قتلت منهم نفسا  ) يعني : ذلك القبطي ، ( 
فأخاف أن يقتلون  ) أي : إذا رأوني . 
( 
وأخي هارون هو أفصح مني لسانا  ) ، وذلك أن 
موسى  ، عليه السلام ، كان في لسانه لثغة ، بسبب ما كان تناول تلك الجمرة ، حين خير بينها وبين التمرة أو الدرة ، فأخذ الجمرة فوضعها على لسانه ، فحصل فيه شدة في التعبير ; ولهذا قال : ( 
واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري  ) [ طه : 27 - 32 ] أي : يؤنسني فيما أمرتني به من هذا المقام العظيم ، وهو القيام بأعباء النبوة والرسالة إلى هذا الملك المتكبر الجبار العنيد . ولهذا قال : ( 
وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا [ يصدقني ]  ) ، أي : وزيرا ومعينا ومقويا لأمري ، يصدقني فيما أقوله وأخبر به عن الله عز وجل ; لأن خبر اثنين أنجع في النفوس من خبر واحد ; ولهذا قال : ( 
إني أخاف أن يكذبون  ) . 
وقال 
محمد بن إسحاق   : ( 
ردءا يصدقني  ) أي : يبين لهم عني ما أكلمهم به ، فإنه يفهم [ عني ] . 
فلما سأل ذلك قال الله تعالى : ( 
سنشد عضدك بأخيك  ) أي : سنقوي أمرك ، ونعز جانبك بأخيك ، الذي سألت له أن يكون نبيا معك . كما قال في الآية الأخرى : ( 
قد أوتيت سؤلك يا موسى  ) [ طه : 36 ] ، وقال تعالى : ( 
ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا  ) [ مريم : 53 ] . ولهذا قال بعض السلف : ليس أحد أعظم منة على أخيه من 
موسى  على 
هارون  ، عليهما السلام ، فإنه شفع فيه حتى جعله الله نبيا ورسولا معه إلى فرعون وملئه ، ولهذا قال [ الله تعالى ] في حق موسى : ( 
وكان عند الله وجيها  ) [ الأحزاب : 69 ] . 
وقوله تعالى : ( 
ونجعل لكما سلطانا  ) أي : حجة قاهرة ، ( 
فلا يصلون إليكما بآياتنا  ) أي : لا سبيل لهم إلى الوصول إلى أذاكما بسبب إبلاغكما آيات الله ، كما قال الله تعالى [ لرسوله 
محمد   - صلى الله عليه وسلم - ] : ( 
يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك [ وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ] والله يعصمك من الناس  ) [ المائدة : 67 ] . وقال تعالى : ( 
الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا  ) [ الأحزاب : 39 ] ، أي : وكفى بالله ناصرا ومعينا ومؤيدا . ولهذا أخبرهما أن العاقبة لهما ولمن اتبعهما في الدنيا والآخرة ، فقال : ( 
أنتما ومن اتبعكما الغالبون  ) ، كما قال  
[ ص: 237 ] تعالى : ( 
كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز  ) [ المجادلة : 21 ] ، وقال تعالى : ( 
إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد . يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار  ) [ غافر : 51 ، 52 ] . 
ووجه 
ابن جرير  على أن المعنى : ( 
ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما  ) ، ثم يبتدئ فيقول : ( 
بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون  ) ، تقديره : أنتما ومن اتبعكما الغالبون بآياتنا . 
ولا شك أن هذا المعنى صحيح ، وهو حاصل من التوجيه الأول ، فلا حاجة إلى هذا ، والله أعلم .