( 
الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون  ( 52 ) 
وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين  ( 53 ) 
أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون  ( 54 ) 
وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين  ( 55 ) ) .  
[ ص: 244 ] يخبر تعالى عن العلماء الأولياء من أهل الكتاب أنهم يؤمنون بالقرآن ، كما قال تعالى : ( 
الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به  ) [ البقرة : 121 ] ، وقال : ( 
وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله  ) [ آل عمران : 199 ] ، وقال : ( 
إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا  ) [ الإسراء : 107 ، 108 ] ، وقال : ( 
ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون . وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين  ) [ المائدة : 82 ، 83 ] . 
قال 
سعيد بن جبير   : نزلت في سبعين من القسيسين بعثهم 
النجاشي  ، فلما قدموا على النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ عليهم : ( 
يس . والقرآن الحكيم  ) حتى ختمها ، فجعلوا يبكون وأسلموا ، ونزلت فيهم هذه الآية الأخرى : ( 
الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون . وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين  ) يعني : من قبل هذا القرآن كنا مسلمين ، أي : موحدين مخلصين لله مستجيبين له . 
قال الله : ( 
أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا  ) أي : هؤلاء المتصفون بهذه الصفة الذين آمنوا بالكتاب الأول ثم بالثاني [ يؤتون أجرهم مرتين بإيمانهم بالرسول الأول ثم بالثاني ] ; ولهذا قال : ( 
بما صبروا  ) أي : على اتباع الحق ; فإن تجشم مثل هذا شديد على النفوس . وقد ورد في الصحيحين من حديث 
عامر الشعبي  ، عن 
أبي بردة  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري  ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=822352 " ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه ثم آمن بي ، وعبد مملوك أدى حق الله وحق مواليه ، ورجل كانت له أمة فأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها فتزوجها "  . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد   : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=17303يحيى بن إسحاق السيلحيني  ، حدثنا 
ابن لهيعة  ، عن 
سليمان بن عبد الرحمن  ، عن 
القاسم  ، عن 
أبي أمامة  قال : إني لتحت راحلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح ، فقال قولا حسنا جميلا وقال فيما قال : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=822353من أسلم من أهل الكتابين فله أجره مرتين ، وله ما لنا وعليه ما علينا ، [ ومن أسلم من المشركين ، فله أجره ، وله ما لنا وعليه ما علينا ] "  . 
وقوله ( 
ويدرءون بالحسنة السيئة  ) أي : لا يقابلون السيئ بمثله ، ولكن يعفون ويصفحون . ( 
ومما رزقناهم ينفقون  ) أي : ومن الذي رزقهم من الحلال ينفقون على خلق الله في النفقات الواجبة لأهلهم وأقاربهم ، والزكاة المفروضة والمستحبة من التطوعات ، وصدقات النفل والقربات .  
[ ص: 245 ] 
وقوله : ( 
وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه  ) أي : لا يخالطون أهله ولا يعاشرونهم ، بل كما قال تعالى : ( 
وإذا مروا باللغو مروا كراما  ) [ الفرقان : 72 ] . 
( 
وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين  ) أي : إذا سفه عليهم سفيه ، وكلمهم بما لا يليق بهم الجواب عنه ، أعرضوا عنه ولم يقابلوه بمثله من الكلام القبيح ، ولا يصدر عنهم إلا كلام طيب . ولهذا قال عنهم : إنهم قالوا : ( 
لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين  ) أي : لا نريد طريق الجاهلين ولا نحبها . 
قال 
محمد بن إسحاق  في السيرة : ثم قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو 
بمكة  عشرون رجلا أو قريب من ذلك ، من 
النصارى  ، حين بلغهم خبره من 
الحبشة   . فوجدوه في المسجد ، فجلسوا إليه وكلموه وساءلوه - ورجال من 
قريش  في أنديتهم حول 
الكعبة   - فلما فرغوا من مساءلة رسول الله عما أرادوا ، دعاهم إلى الله وتلا عليهم القرآن ، فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع ، ثم استجابوا لله وآمنوا به وصدقوه ، وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره . فلما قاموا عنه اعترضهم 
أبو جهل بن هشام  في نفر من 
قريش  ، فقالوا لهم : خيبكم الله من ركب . بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل ، فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه فيما قال ; ما نعلم ركبا أحمق منكم . أو كما قالوا لهم . فقالوا [ لهم ] سلام عليكم ، لا نجاهلكم ، لنا ما نحن عليه ، ولكم ما أنتم عليه ، لم نأل أنفسنا خيرا .
قال : ويقال : إن النفر 
النصارى  من أهل 
نجران  ، فالله أعلم أي ذلك كان . 
قال : ويقال - والله أعلم - إن فيهم نزلت هذه الآيات : ( 
الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون  ) إلى قوله : ( 
لا نبتغي الجاهلين  ) . 
قال : وقد سألت 
الزهري  عن هذه الآيات فيمن أنزلن ، قال : ما زلت أسمع من علمائنا أنهن أنزلن في 
النجاشي  وأصحابه ، رضي الله عنهم ، والآيات التي في سورة المائدة : ( 
ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا  ) إلى قوله : ( 
فاكتبنا مع الشاهدين  ) [ المائدة : 82 ، 83 ]