صفحة جزء
اغتباط صاحب القرآن

حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، حدثني سالم بن عبد الله : أن عبد الله بن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله الكتاب فقام به آناء الليل ، ورجل أعطاه الله مالا فهو يتصدق به آناء الليل والنهار .

انفرد به البخاري من هذا الوجه ، واتفقا على إخراجه من رواية سفيان عن الزهري ثم قال البخاري : حدثنا علي بن إبراهيم ، حدثنا روح ، حدثنا شعبة ، عن سليمان : سمعت ذكوان ، عن أبي هريرة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا حسد إلا في اثنتين : رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار ، فسمعه جار له فقال : ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل ، ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق ، فقال رجل : ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل .

ومضمون هذين الحديثين : أن صاحب القرآن في غبطة وهو حسن الحال ، فينبغي أن يكون شديد [ ص: 66 ] الاغتباط بما هو فيه ، ويستحب تغبيطه بذلك ، يقال : غبطه يغبطه غبطا : إذا تمنى ما هو فيه من النعمة ، وهذا بخلاف الحسد المذموم معناه وهو تمني زوال نعمة المحسود عنه ، سواء حصلت لذلك الحاسد أو لا وهذا مذموم شرعا ، مهلك ، وهو أول معاصي إبليس حين حسد آدم ، عليه السلام ، على ما منحه الله تعالى من الكرامة والاحترام والإعظام . والحسد الشرعي الممدوح هو تمني مثل حال ذلك الذي هو على حالة سارة ؛ ولهذا قال عليه السلام : لا حسد إلا في اثنتين ، فذكر النعمة القاصرة وهي تلاوة القرآن آناء الليل والنهار ، والنعمة المتعدية وهي إنفاق المال بالليل والنهار ، كما قال تعالى : ( إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ( [ فاطر : 29 ] ، وقد روي نحو هذا من وجه آخر ، فقال عبد الله بن الإمام أحمد : وجدت في كتاب أبي بخط يده : كتب إلي أبو توبة الربيع بن نافع ، فكان في كتابه : حدثنا الهيثم بن حميد ، عن زيد بن واقد ، عن سليمان بن موسى ، عن كثير بن مرة ، عن يزيد بن الأخنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تنافس بينكم إلا في اثنتين : رجل أعطاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار ، ويتبع ما فيه ، فيقول رجل : لو أن الله أعطاني مثل ما أعطى فلانا فأقوم كما يقوم به ، ورجل أعطاه الله مالا فهو ينفقه ويتصدق ، فيقول رجل : لو أن الله أعطاني مثل ما أعطى فلانا فأتصدق به . وقريب من هذا ما قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن نمير ، حدثنا عبادة بن مسلم ، حدثني يونس بن خباب ، عن أبي سعيد البختري الطائي ، عن أبي كبشة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ثلاث أقسم عليهن ، وأحدثكم حديثا فاحفظوه ، فأما الثلاث التي أقسم عليهن : فإنه ما نقص مال عبد من صدقة ، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزا ، ولا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله له باب فقر ، وأما الذي أحدثكم حديثا فاحفظوه ، فإنه قال : إنما الدنيا لأربعة نفر : عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه ويصل رحمه ، ويعلم لله فيه حقه ، قال : فهذا بأفضل المنازل ، وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو يقول : لو كان لي مال عملت بعمل فلان قال : فأجرهما سواء ، وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه ، ولا يصل فيه رحمه ، ولا يعلم لله فيه حقه ، فهذا بأخبث المنازل ، وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول : لو كان لي مال لعملت بعمل فلان . قال : هي نيته فوزرهما فيه سواء .

وقال أيضا : حدثنا وكيع ، حدثنا الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن أبي كبشة الأنماري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مثل هذه الأمة مثل أربعة نفر : رجل آتاه الله مالا وعلما فهو يعمل به في ماله ينفقه في حقه ، ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا فهو يقول : لو كان لي مثل مال هذا عملت فيه مثل الذي يعمل . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فهما في الأجر سواء ، ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما فهو يخبط فيه ينفقه في غير حقه ، ورجل لم يؤته الله مالا ولا علما فهو يقول : لو كان لي مثل [ ص: 67 ] هذا عملت فيه مثل الذي يعمل . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فهما في الوزر سواء . إسناد صحيح .

التالي السابق


الخدمات العلمية