[ ص: 588 ]  ( 
ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون  ( 68 ) 
وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين  ( 69 ) 
لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين  ( 70 ) ) 
يخبر تعالى عن ابن 
آدم  أنه كلما طال عمره رد إلى الضعف بعد القوة والعجز بعد النشاط ، كما قال تعالى : ( 
الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير  ) [ الروم : 54 ] . وقال : ( 
ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا  ) [ الحج : 5 ] . 
والمراد من هذا - والله أعلم - الإخبار عن هذه الدار بأنها 
دار زوال وانتقال ، لا دار دوام واستقرار  ; ولهذا قال : ( 
أفلا يعقلون  ) أي : يتفكرون بعقولهم في ابتداء خلقهم ثم صيرورتهم إلى [ نفس ] الشبيبة ، ثم إلى الشيخوخة ; ليعلموا أنهم خلقوا لدار أخرى ، لا زوال لها ولا انتقال منها ، ولا محيد عنها ، وهي الدار الآخرة . 
وقوله : ( 
وما علمناه الشعر وما ينبغي له  ) : يقول تعالى مخبرا عن نبيه 
محمد  صلى الله عليه وسلم : أنه ما علمه الشعر ، ( 
وما ينبغي له  ) أي : وما هو في طبعه ، فلا يحسنه ولا يحبه ، ولا تقتضيه جبلته ; ولهذا 
ورد أنه ، عليه الصلاة والسلام ، كان لا يحفظ بيتا على وزن منتظم ، بل إن أنشده زحفه أو لم يتمه  . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12013أبو زرعة الرازي   : حدثت عن 
إسماعيل بن مجالد  ، عن أبيه ، عن 
الشعبي  أنه قال : ما ولد 
عبد المطلب  ذكرا ولا أنثى إلا يقول الشعر ، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم  . ذكره ابن عساكر في ترجمة " عتبة بن أبي لهب " الذي أكله السبع بالزرقاء . 
قال 
ابن أبي حاتم   : حدثنا أبي ، حدثنا 
أبو سلمة  ، حدثنا 
حماد بن سلمة  ، عن 
علي بن زيد  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن - هو البصري -  قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتمثل بهذا البيت : 
كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا 
فقال 
أبو بكر   : يا رسول الله : 
كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا 
قال 
أبو بكر  ، أو 
عمر   : أشهد أنك رسول الله ، يقول الله : ( 
وما علمناه الشعر وما ينبغي له  ) . 
وهكذا روى 
 nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي  في الدلائل : أن 
nindex.php?page=hadith&LINKID=825991رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : للعباس بن مرداس السلمي   : " أنت القائل : 
أتجعل نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة " . 50 فقال : إنما هو : " بين عيينة  والأقرع   " فقال : " الكل سواء "  .  
[ ص: 589 ] يعني : في المعنى ، صلوات الله وسلامه عليه . 
وقد ذكر السهيلي في " الروض الأنف " لهذا التقديم والتأخير الذي وقع في كلامه ، عليه السلام ، في هذا البيت مناسبة أغرب فيها ، حاصلها شرف 
الأقرع بن حابس  على 
عيينة بن بدر الفزاري   ; لأنه ارتد أيام 
الصديق ،  بخلاف ذاك ، والله أعلم . 
وهكذا روى 
الأموي  في مغازيه : أن 
رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يمشي بين القتلى يوم بدر ، وهو يقول : " نفلق هاما . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . " . 
فيقول الصديق  رضي الله عنه متمما للبيت : 
 . . . . . من رجال أعزة     علينا وهم كانوا أعق وأظلما 
وهذا لبعض شعراء 
العرب  في قصيدة له ، وهي في الحماسة . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد   : حدثنا 
هشيم ،  حدثنا 
مغيرة ،  عن 
الشعبي ،  nindex.php?page=hadith&LINKID=822722عن عائشة ،  رضي الله عنها ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استراث الخبر ، تمثل فيه ببيت طرفة   : 
ويأتيك بالأخبار من لم تزود 
وهكذا رواه 
 nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي  في " اليوم والليلة " من طريق 
إبراهيم بن مهاجر  ، عن 
الشعبي ،  عنها . ورواه 
الترمذي   nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي  أيضا من حديث 
المقدام بن شريح بن هانئ  ، عن أبيه ، عن 
عائشة ،  رضي الله عنها ، كذلك . ثم قال 
الترمذي   . هذا حديث حسن صحيح . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13863الحافظ أبو بكر البزار   : حدثنا 
يوسف بن موسى  ، حدثنا 
أسامة  ، عن 
زائدة ،  عن 
سماك ،  عن 
عكرمة ،  nindex.php?page=hadith&LINKID=825992عن ابن عباس  قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل من الأشعار : 
ويأتيك بالأخبار من لم تزود 
ثم قال : رواه غير زائدة ، عن 
سماك  ، عن 
عكرمة ،  عن 
عائشة   . 
وهذا في شعر 
طرفة بن العبد  ، في معلقته المشهورة ، وهذا المذكور [ هو عجز بيت ] منها ، أوله : 
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا     ويأتيك بالأخبار من لم تزود 
ويأتيك بالأخبار من لم تبع له     بتاتا ولم تضرب له وقت موعد 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13933الحافظ أبو بكر البيهقي   : أخبرنا 
أبو عبد الحافظ  ، حدثنا 
أبو حفص عمر بن أحمد بن  [ ص: 590 ] نعيم - وكيل المتقي ببغداد   -  حدثنا 
أبو محمد عبد الله بن هلال النحوي الضرير  ، حدثنا 
علي بن عمرو الأنصاري  ، حدثنا 
سفيان بن عيينة  ، عن 
الزهري ،  عن 
عروة ،  nindex.php?page=hadith&LINKID=825993عن عائشة ،  رضي الله عنها ، قالت : ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت شعر قط ، إلا بيتا واحدا . 
تفاءل بما تهوى يكن فلقلما     يقال لشيء كان إلا تحققا 
سألت شيخنا 
الحافظ أبا الحجاج المزي  عن هذا الحديث ، فقال : هو منكر . ولم يعرف شيخ 
 nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم  ، ولا 
الضرير   . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12514سعيد بن أبي عروبة  عن 
قتادة   : 
قيل  nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة   : هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر ؟ قالت : كان أبغض الحديث إليه ، غير أنه كان يتمثل ببيت أخي بني قيس  ، فيجعل أوله آخره ، وآخره أوله . فقال أبو بكر  ليس هكذا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني والله ما أنا بشاعر ولا ينبغي لي "  . رواه 
ابن أبي حاتم   nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير  ، وهذا لفظه . 
وقال 
معمر  nindex.php?page=hadith&LINKID=825995عن قتادة   : بلغني أن عائشة  سئلت : هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر ؟ فقالت : لا إلا بيت طرفة   : 
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا     ويأتيك بالأخبار من لم تزود 
فجعل يقول : " من لم تزود بالأخبار " . فقال أبو بكر   : ليس هذا هكذا . فقال : " إني لست بشاعر ، ولا ينبغي لي " 
وثبت في الصحيحين 
nindex.php?page=hadith&LINKID=825996أنه ، عليه الصلاة والسلام ، تمثل يوم حفر الخندق بأبيات عبد الله بن رواحة  ، ولكن تبعا لقول أصحابه ، فإنهم يرتجزون وهم يحفرون ، فيقولون : 
اللهم لولا أنت ما اهتدينا     ولا تصدقنا ولا صلينا 
فأنزلن سكينة علينا     وثبت الأقدام إن لاقينا 
إن الألى قد بغوا علينا     إذا أرادوا فتنة أبينا 
ويرفع صوته بقوله : " أبينا " ويمدها  . وقد روي هذا بزحاف في الصحيح أيضا . وكذلك ثبت أنه قال يوم 
حنين  وهو راكب البغلة ، يقدم بها في نحور العدو : 
أنا النبي لا كذب     أنا ابن عبد المطلب 
لكن قالوا : هذا وقع اتفاقا من غير قصد لوزن شعر ، بل جرى على اللسان من غير قصد إليه . 
وكذلك ما ثبت في الصحيحين 
nindex.php?page=hadith&LINKID=825997عن  nindex.php?page=showalam&ids=193جندب بن عبد الله  قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار  [ ص: 591 ] فنكبت أصبعه ، فقال : 
هل أنت إلا إصبع دميت     وفي سبيل الله ما لقيت 
وسيأتي عند قوله تعالى : ( 
إلا اللمم  ) [ النجم : 32 ] إنشاد : 
إن تغفر اللهم تغفر جما     وأي عبد لك ما ألما 
وكل هذا لا ينافي كونه صلى الله عليه وسلم ما علم شعرا ولا ينبغي له ; فإن الله تعالى إنما علمه القرآن العظيم الذي ( 
لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد  ) [ فصلت : 42 ] . وليس هو بشعر كما زعمه طائفة من جهلة كفار 
قريش ،  ولا كهانة ، ولا مفتعل ، ولا سحر يؤثر ، كما تنوعت فيه أقوال الضلال وآراء الجهال . وقد 
كانت سجيته صلى الله عليه وسلم تأبى صناعة الشعر طبعا وشرعا ، كما رواه 
أبو داود  قال : 
حدثنا 
عبيد الله بن عمر  ، حدثنا 
عبد الله بن يزيد  ، حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=15986سعيد بن أبي أيوب  ، حدثنا 
شرحبيل بن يزيد المعافري  ، عن 
عبد الرحمن بن رافع التنوخي  قال : سمعت 
عبد الله بن عمرو  يقول : [ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ] : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=822723ما أبالي ما أوتيت إن أنا شربت ترياقا ، أو تعلقت تميمة ، أو قلت الشعر من قبل نفسي "  . تفرد به 
أبو داود   . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد  ، رحمه الله : حدثنا 
عبد الرحمن بن مهدي  ، عن 
الأسود بن شيبان  ، عن 
أبي نوفل  قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501382سألت عائشة   : أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتسامع عنده الشعر ؟ فقالت : كان أبغض الحديث إليه  . وقال عن 
عائشة   : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501383كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه الجوامع من الدعاء ، ويدع ما بين ذلك  . 
وقال 
أبو داود   : حدثنا 
أبو الوليد الطيالسي  ، حدثنا 
شعبة  ، عن 
الأعمش ،  عن 
أبي صالح ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ،  رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=822724 " لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا ، خير له من أن يمتلئ شعرا "  . تفرد به من هذا الوجه ، وإسناده على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد   : حدثنا 
بريد ،  حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=16827قزعة بن سويد الباهلي  ، عن 
عاصم بن مخلد  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11824أبي الأشعث ، الصنعاني   ( ح ) وحدثنا 
الأشيب  فقال : عن 
ابن عاصم  ، عن 
 [ أبي ] الأشعث  عن 
شداد بن أوس  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=822725 " من قرض بيت شعر بعد العشاء الآخرة ، لم تقبل له صلاة تلك الليلة "  .  
[ ص: 592 ] وهذا حديث غريب من هذا الوجه ، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة . والمراد بذلك نظمه لا إنشاده ، والله أعلم . على أن الشعر فيه ما هو مشروع ، وهو 
هجاء المشركين الذي كان يتعاطاه شعراء الإسلام ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=144كحسان بن ثابت  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=331وكعب بن مالك  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=82وعبد الله بن رواحة  ، وأمثالهم وأضرابهم ، رضي الله عنهم أجمعين . ومنه ما فيه حكم ومواعظ وآداب ، كما يوجد في شعر جماعة من الجاهلية ، ومنهم 
أمية بن أبي الصلت  الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : " 
آمن شعره وكفر قلبه "  . وقد أنشد بعض الصحابة منه للنبي صلى الله عليه وسلم مائة بيت ، يقول عقب كل بيت : " هيه " . يعني يستطعمه ، فيزيده من ذلك . 
وقد روى 
أبو داود  من حديث 
أبي بن كعب  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=134وبريدة بن الحصيب  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=11وعبد الله بن عباس  ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=822727إن من البيان سحرا ، وإن من الشعر حكما "  . 
ولهذا قال تعالى : ( 
وما علمناه الشعر  ) يعني : 
محمدا  صلى الله عليه وسلم ما علمه الله شعرا ، ( 
وما ينبغي له  ) أي : وما يصلح له ، ( 
إن هو إلا ذكر وقرآن مبين  ) أي : ما هذا الذي علمناه ، ( 
إلا ذكر وقرآن مبين  ) أي : بين واضح جلي لمن تأمله وتدبره . ولهذا قال : ( 
لينذر من كان حيا  ) أي : لينذر هذا القرآن البين كل حي على وجه الأرض ، كقوله : ( 
لأنذركم به ومن بلغ  ) [ الأنعام : 19 ] ، وقال : ( 
ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده  ) [ هود : 17 ] . وإنما ينتفع بنذارته من هو حي القلب ، مستنير البصيرة ، كما قال 
قتادة   : حي القلب ، حي البصر . وقال 
الضحاك   : يعني : عاقلا ( 
ويحق القول على الكافرين  ) أي : هو رحمة للمؤمن ، وحجة على الكافر .