صفحة جزء
( أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم ( 81 ) إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ( 82 ) فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون ( 83 ) )

يقول تعالى منبها على قدرته العظيمة في خلق السماوات السبع ، بما فيها من الكواكب السيارة والثوابت ، والأرضين السبع وما فيها من جبال ورمال ، وبحار وقفار ، وما بين ذلك ، ومرشدا إلى الاستدلال على إعادة الأجساد بخلق هذه الأشياء العظيمة ، كقوله تعالى : ( لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ) [ غافر : 57 ] . وقال هاهنا : ( أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ) أي : مثل البشر ، فيعيدهم كما بدأهم . قاله ابن جرير .

وهذه الآية كقوله تعالى : ( أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير ) [ الأحقاف : 33 ] ، [ ص: 596 ] وقال : ( بلى وهو الخلاق العليم إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) أي : يأمر بالشيء أمرا واحدا ، لا يحتاج إلى تكرار :


إذا ما أراد الله أمرا فإنما يقول له " كن " قولة فيكون



وقال الإمام أحمد : حدثنا ابن نمير ، حدثنا موسى بن المسيب ، عن شهر ، عن عبد الرحمن بن غنم ، عن أبي ذر ، رضي الله عنه ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله يقول : يا عبادي ، كلكم مذنب إلا من عافيت ، فاستغفروني أغفر لكم . وكلكم فقير إلا من أغنيت ، إني جواد ماجد واجد أفعل ما أشاء ، عطائي كلام ، وعذابي كلام ، إذا أردت شيئا فإنما أقول له كن فيكون " .

وقوله : ( فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون ) أي : تنزيه وتقديس وتبرئة من السوء للحي القيوم ، الذي بيده مقاليد السماوات والأرض ، وإليه يرجع الأمر كله ، وله الخلق والأمر ، وإليه ترجع العباد يوم القيامة ، فيجازي كل عامل بعمله ، وهو العادل المتفضل .

ومعنى قوله : ( فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء ) كقوله عز وجل : ( قل من بيده ملكوت كل شيء ) [ المؤمنون : 88 ] ، وكقوله تعالى : ( تبارك الذي بيده الملك ) [ الملك : 1 ] ، فالملك والملكوت واحد في المعنى ، كرحمة ورحموت ، ورهبة ورهبوت ، وجبر وجبروت . ومن الناس من زعم أن الملك هو عالم الأجساد والملكوت هو عالم الأرواح ، والأول هو الصحيح ، وهو الذي عليه الجمهور من المفسرين وغيرهم .

قال الإمام أحمد : حدثنا حماد ، عن عبد الملك بن عمير ، حدثني ابن عم لحذيفة ، عن حذيفة - وهو ابن اليمان - رضي الله عنه ، قال : قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ، فقرأ السبع الطول في سبع ركعات ، وكان إذا رفع رأسه من الركوع قال : " سمع الله لمن حمده " . ثم قال : " الحمد لذي ذي الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة " وكان ركوعه مثل قيامه ، وسجوده مثل ركوعه ، فأنصرف وقد كادت تنكسر رجلاي .

وقد روى أبو داود ، والترمذي في الشمائل ، والنسائي ، من حديث شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي حمزة - مولى الأنصار - عن رجل من بني عبس ، عن حذيفة ; أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل ، وكان يقول : " الله أكبر - ثلاثا - ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة " . ثم استفتح فقرأ البقرة ، ثم ركع فكان ركوعه نحوا من قيامه ، وكان يقول في ركوعه : " سبحان ربي العظيم " . ثم رفع رأسه من الركوع ، فكان قيامه نحوا من ] ركوعه ، يقول : " لربي الحمد " . ثم سجد ، فكان سجوده نحوا من ] قيامه ، وكان يقول في سجوده : " سبحان ربي الأعلى " . ثم رفع [ ص: 597 ] رأسه من السجود ، وكان يقعد فيما بين السجدتين نحوا من سجوده ، وكان يقول : " رب ، اغفر لي ، رب اغفر لي " . فصلى أربع ركعات ، فقرأ فيهن البقرة ، وآل عمران ، والنساء ، والمائدة - أو الأنعام شك شعبة - هذا لفظ أبي داود .

وقال النسائي : " أبو حمزة عندنا : طلحة بن يزيد ، وهذا الرجل يشبه أن يكون صلة " . كذا قال . والأشبه أن يكون ابن عم حذيفة ، كما تقدم في رواية الإمام أحمد ، [ والله أعلم ] . فأما رواية صلة بن زفر ، عن حذيفة ، فإنها في صحيح مسلم ، ولكن ليس فيها ذكر الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة .

وقال أبو داود : حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا ابن وهب ، حدثني معاوية بن صالح ، عن عمرو بن قيس ، عن عاصم بن حميد ، عن عوف بن مالك الأشجعي قال : قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقام فقرأ سورة البقرة ، لا يمر بآية رحمة إلا وقف فسأل ، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف فتعوذ . قال : ثم ركع بقدر قيامه ، يقول في ركوعه : " سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة " . ثم سجد بقدر قيامه ، ثم قال في سجوده مثل ذلك ، ثم قام فقرأ بآل عمران ، ثم قرأ سورة سورة .

ورواه الترمذي في الشمائل ، والنسائي ، من حديث معاوية بن صالح ، به .

] آخر تفسير سورة " يس " ولله الحمد أولا وآخرا وظاهرا وباطنا ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية