( 
وإن يونس لمن المرسلين  ( 139 ) 
إذ أبق إلى الفلك المشحون  ( 140 ) 
فساهم فكان من المدحضين  ( 141 ) 
فالتقمه الحوت وهو مليم  ( 142 ) 
فلولا أنه كان من المسبحين  ( 143 ) 
للبث في بطنه إلى يوم يبعثون  ( 144 ) 
فنبذناه بالعراء وهو سقيم  ( 145 ) 
وأنبتنا عليه شجرة من يقطين  ( 146 ) 
وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون  ( 147 ) 
فآمنوا فمتعناهم إلى حين  ( 148 ) ) 
قد تقدمت قصة 
يونس   - عليه السلام - في سورة الأنبياء . وفي الصحيحين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=822742ما ينبغي لعبد أن يقول : أنا خير من يونس بن متى ونسبه إلى أمه " وفي رواية قيل : " إلى أبيه "  . 
وقوله : ( 
إذ أبق إلى الفلك المشحون  ) قال 
ابن عباس   : هو الموقر ، أي : المملوء بالأمتعة . 
( فساهم ) أي : قارع ( 
فكان من المدحضين  ) أي : المغلوبين . وذلك أن السفينة تلعبت بها الأمواج من كل جانب ، وأشرفوا على الغرق ، فساهموا على من تقع عليه القرعة يلقى في البحر ، لتخف بهم السفينة ، فوقعت القرعة على نبي الله 
يونس  ، عليه الصلاة والسلام ثلاث مرات ، وهم يضنون به أن يلقى من بينهم ، فتجرد من ثيابه ليلقي نفسه وهم يأبون عليه ذلك . 
وأمر الله تعالى حوتا من البحر الأخضر أن يشق البحار ، وأن يلتقم ، 
يونس   - عليه السلام - فلا يهشم له لحما ، ولا يكسر له عظما . فجاء ذلك الحوت وألقى 
يونس   - عليه السلام - نفسه فالتقمه الحوت وذهب به فطاف به البحار كلها . ولما استقر 
يونس  في بطن الحوت ، حسب أنه قد مات ثم حرك رأسه ورجليه وأطرافه فإذا هو حي ، فقام يصلي في بطن الحوت ، وكان من جملة دعائه : " يا رب ، اتخذت لك مسجدا في موضع لم يبلغه أحد من الناس " واختلفوا في مقدار ما لبث في بطن الحوت ، فقيل : ثلاثة أيام ، قاله 
قتادة   . وقيل جمعة قاله 
جعفر الصادق   . وقيل : أربعين يوما ، قاله 
أبو مالك   .  
[ ص: 39 ] 
وقال 
مجالد  ، عن 
الشعبي   : التقمه ضحى ، وقذفه عشية . 
والله أعلم بمقدار ذلك . وفي شعر 
أمية بن أبي الصلت   : 
وأنت بفضل منك نجيت يونسا وقد بات في أضعاف حوت لياليا 
وقوله : ( 
فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون  ) ، قيل : لولا ما تقدم له من العمل في الرخاء . قاله 
الضحاك بن قيس  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=11873وأبو العالية  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=17285ووهب بن منبه  ، 
وقتادة  ، وغير واحد . واختاره 
ابن جرير   . وقد ورد في الحديث الذي سنورده ما يدل على ذلك إن صح الخبر . وفي حديث عن 
ابن عباس   : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=822743تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة  " 
وقال 
ابن عباس  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير  ، 
والضحاك  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=16571وعطاء بن السائب  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي  ، 
والحسن  ، 
وقتادة   : ( 
فلولا أنه كان من المسبحين  ) يعني : المصلين . 
وصرح بعضهم بأنه كان من المصلين قبل ذلك . وقال بعضهم : كان من المسبحين في جوف أبويه . وقيل : المراد : ( 
فلولا أنه كان من المسبحين  ) هو قوله : ( 
فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين  ) [ الأنبياء : 87 ، 88 ] قاله 
سعيد بن جبير  وغيره . 
وقال 
ابن أبي حاتم   : حدثنا 
أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب  ، حدثنا عمي حدثنا 
أبو صخر   : أن 
يزيد الرقاشي  حدثه : أنه سمع 
أنس بن مالك   - ولا أعلم إلا أن 
أنسا  يرفع الحديث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " 
أن يونس  النبي - صلى الله عليه وسلم - حين بدا له أن يدعو بهذه الكلمات ، وهو في بطن الحوت ، فقال : اللهم لا إله إلا أنت سبحانك ، إني كنت من الظالمين . فأقبلت الدعوة تحف بالعرش ، قالت الملائكة : يا رب ، هذا صوت ضعيف معروف من بلاد بعيدة غريبة ؟ فقال : أما تعرفون ذلك ؟ قالوا : يا رب ، ومن هو ؟ قال : عبدي يونس   . قالوا : عبدك يونس  الذي لم يزل يرفع له عمل متقبل ، ودعوة مستجابة ؟ قالوا : يا رب ، أولا ترحم ما كان يصنع في الرخاء فتنجيه في البلاء ؟ قال : بلى . فأمر الحوت فطرحه بالعراء  " . 
ورواه 
ابن جرير  ، عن 
يونس  ، عن 
ابن وهب  ، به زاد 
ابن أبي حاتم   : قال 
أبو صخر حميد بن زياد   : فأخبرني 
ابن قسيط  وأنا أحدثه هذا الحديث : أنه سمع 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة  يقول : طرح بالعراء ، وأنبت الله عليه اليقطينة . قلنا : يا 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة  ، وما اليقطينة ، قال : شجرة الدباء . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة   : وهيأ الله له أروية وحشية تأكل من خشاش الأرض - أو قال : هشاش الأرض - قال : فتتفشح عليه فترويه من لبنها كل عشية وبكرة حتى نبت  .  
[ ص: 40 ] 
وقال 
أمية بن أبي الصلت  في ذلك بيتا من شعره : 
فأنبت يقطينا عليه برحمة     من الله لولا الله ألفي ضاحيا 
وقد تقدم حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة  مسندا مرفوعا في تفسير سورة " الأنبياء " . 
ولهذا قال تعالى : ( فنبذناه ) أي : ألقيناه ) بالعراء ) قال 
ابن عباس  ، وغيره : وهي الأرض التي ليس بها نبت ولا بناء . قيل : على جانب دجلة . وقيل : بأرض 
اليمن   . فالله أعلم . 
( 
وهو سقيم  ) أي : ضعيف البدن . قال 
ابن مسعود  ، رضي الله عنه : كهيئة الفرخ ليس عليه ريش . وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي   : كهيئة الصبي : حين يولد ، وهو المنفوس . وقاله 
ابن عباس  ، 
وابن زيد  أيضا . 
( 
وأنبتنا عليه شجرة من يقطين  ) قال 
ابن مسعود  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس  ، 
ومجاهد  ، 
وعكرمة  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=17285ووهب بن منبه  ، 
وهلال بن يساف   nindex.php?page=showalam&ids=16446وعبد الله بن طاوس  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي  ، 
وقتادة  ، 
والضحاك  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=16566وعطاء الخراساني  وغير واحد قالوا كلهم : اليقطين هو القرع . 
وقال 
هشيم  ، عن 
القاسم بن أبي أيوب  ، عن 
سعيد بن جبير   : كل شجرة لا ساق لها فهي من اليقطين . 
وفي رواية عنه : كل شجرة تهلك من عامها فهي من اليقطين . 
وذكر بعضهم في القرع فوائد ، منها : سرعة نباته ، وتظليل ورقه لكبره ، ونعومته ، وأنه لا يقربها الذباب ، وجودة أغذية ثمره ، وأنه يؤكل نيئا ومطبوخا بلبه وقشره أيضا . وقد ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يحب الدباء ، ويتتبعه من حواشي الصحفة . 
وقوله تعالى : ( 
وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون  ) روى 
 nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب  ، عن 
ابن عباس  أنه قال : إنما كانت رسالة 
يونس  بعد ما نبذه الحوت . رواه 
ابن جرير   : حدثني 
الحارث  قال : حدثنا 
الحسن  قال : حدثنا 
أبو هلال  عن شهر ، به . 
وقال 
ابن أبي نجيح  عن 
مجاهد   : أرسل إليهم قبل أن يلتقمه الحوت . 
قلت : ولا مانع أن يكون الذين أرسل إليهم أولا أمر بالعود إليهم بعد خروجه من الحوت ، فصدقوه كلهم وآمنوا به . وحكى 
البغوي  أنه أرسل إلى أمة أخرى بعد خروجه من الحوت ، كانوا مائة ألف أو يزيدون . 
وقوله : ( أو يزيدون ) قال 
ابن عباس   - في رواية عنه - : بل يزيدون ، وكانوا مائة وثلاثين ألفا .  
[ ص: 41 ] وعنه : مائة ألف وبضعة وثلاثين ألفا . وعنه : مائة ألف وبضعة وأربعين ألفا . 
وقال 
سعيد بن جبير   : يزيدون سبعين ألفا . 
وقال 
مكحول   : كانوا مائة ألف وعشرة آلاف . رواه ابن أبي حاتم . 
وقال 
ابن جرير   : حدثنا 
محمد بن عبد الرحيم البرقي  ، حدثنا 
عمرو بن أبي سلمة  قال : سمعت 
 nindex.php?page=showalam&ids=15932زهيرا  عمن سمع 
أبا العالية  قال : حدثني 
أبي بن كعب   : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=826009أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله : ( وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون  ) ، قال : " يزيدون عشرين ألفا "  . 
ورواه 
الترمذي  عن 
علي بن حجر  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم  ، عن 
زهير  ، عن رجل ، عن 
أبي العالية  ، عن 
أبي بن كعب  ، به ، وقال : غريب . ورواه 
ابن أبي حاتم  من حديث 
زهير  ، به . 
قال 
ابن جرير   : وكان بعض أهل العربية من أهل 
البصرة  يقول في ذلك : معناه إلى المائة الألف ، أو كانوا يزيدون عندكم ، يقول : كذلك كانوا عندكم . 
وهكذا سلك 
ابن جرير  هاهنا ما سلكه عند قوله تعالى : ( 
ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة  ) [ البقرة : 74 ] ، وقوله ( 
إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية  ) [ النساء : 77 ] ، وقوله : ( 
فكان قاب قوسين أو أدنى  ) [ النجم : 9 ] أن المراد ليس أنقص من ذلك ، بل أزيد . 
وقوله : ( فآمنوا ) أي : فآمن هؤلاء القوم الذين أرسل إليهم 
يونس   - عليه السلام - جميعهم . ( 
فمتعناهم إلى حين  ) أي : إلى وقت آجالهم ، كقوله : ( 
فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين  ) [ يونس : 98 ] .