صفحة جزء
بسم الله الرحمن الرحيم

( حم ( 1 ) تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم ( 2 ) غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ( 3 ) )

أما الكلام على الحروف المقطعة ، فقد تقدم في أول " سورة البقرة " بما أغنى عن إعادته هاهنا .

وقد قيل : إن ) حم ) اسم من أسماء الله - عز وجل - وأنشدوا في ذلك


يذكرني حاميم والرمح شاجر فهلا تلا حاميم قبل التقدم



وقد ورد في الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي ، من حديث الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن المهلب بن أبي صفرة قال : حدثني من سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن بيتم الليلة فقولوا : حم ، لا ينصرون " وهذا إسناد صحيح .

واختار أبو عبيد أن يروى : " فقولوا : حم ، لا ينصروا " أي : إن قلتم ذلك لا ينصروا ، جعله جزاء لقوله : فقولوا .

وقوله : ( تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم ) أي : تنزيل هذا الكتاب - وهو القرآن - من الله ذي العزة والعلم ، فلا يرام جنابه ، ولا يخفى عليه الذر وإن تكاثف حجابه .

وقوله : ( غافر الذنب وقابل التوب ) أي : يغفر ما سلف من الذنب ، ويقبل التوبة في المستقبل لمن تاب إليه وخضع لديه .

وقوله : ( شديد العقاب ) أي : لمن تمرد وطغى وآثر الحياة الدنيا ، وعتا عن أوامر الله ، وبغى [ وقد اجتمع في هذه الآية الرجاء والخوف ] . وهذه كقوله تعالى : ( نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم ) [ الحجر : 49 ، 50 ] يقرن هذين الوصفين كثيرا في مواضع متعددة من القرآن ; ليبقى العبد بين الرجاء والخوف .

وقوله : ( ذي الطول ) قال ابن عباس : يعني : السعة والغنى . وكذا قال مجاهد وقتادة .

وقال يزيد بن الأصم : ( ذي الطول ) يعني : الخير الكثير .

[ ص: 128 ]

وقال عكرمة : ( ذي الطول ) ذي المن .

وقال قتادة : [ يعني ] ذي النعم والفواضل .

والمعنى : أنه المتفضل على عباده ، المتطول عليهم بما هو فيه من المنن والأنعام ، التي لا يطيقون القيام بشكر واحدة منها ، ( وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها [ إن الإنسان لظلوم كفار ] ) [ إبراهيم : 34 ] .

وقوله : ( لا إله إلا هو ) أي : لا نظير له في جميع صفاته ، فلا إله غيره ، ولا رب سواه ( إليه المصير ) أي : المرجع والمآب ، فيجازي كل عامل بعمله ، ( وهو سريع الحساب ) [ الرعد : 41 ] .

وقال أبو بكر بن عياش : سمعت أبا إسحاق السبيعي يقول : جاء رجل إلى عمر بن الخطاب [ رضي الله عنه ] فقال : يا أمير المؤمنين إني قتلت ، فهل لي من توبة ؟ فقرأ عليه ( حم . تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم . غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ) وقال : اعمل ولا تيأس .

رواه ابن أبي حاتم - واللفظ له - وابن جرير .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن مروان الرقي ، حدثنا عمر - يعني ابن أيوب - أخبرنا جعفر بن برقان ، عن يزيد بن الأصم قال : كان رجل من أهل الشام ذو بأس ، وكان يفد إلى عمر بن الخطاب [ رضي الله عنه ] ، ففقده عمر فقال : ما فعل فلان بن فلان ؟ فقالوا : يا أمير المؤمنين ، يتابع في هذا الشراب . قال : فدعا عمر كاتبه ، فقال : اكتب : " من عمر بن الخطاب إلى فلان ابن فلان ، سلام عليك ، [ أما بعد ] : فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، غافر الذنب وقابل التوب ، شديد العقاب ، ذي الطول ، لا إله إلا هو إليه المصير " . ثم قال لأصحابه : ادعوا الله لأخيكم أن يقبل بقلبه ، وأن يتوب الله عليه . فلما بلغ الرجل كتاب عمر جعل يقرؤه ويردده ، ويقول : غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ، قد حذرني عقوبته ووعدني أن يغفر لي .

ورواه الحافظ أبو نعيم من حديث جعفر بن برقان ، وزاد : " فلم يزل يرددها على نفسه ، ثم بكى ثم نزع فأحسن النزع فلما بلغ عمر [ رضي الله عنه ] خبره قال : هكذا فاصنعوا ، إذا رأيتم أخاكم زل زلة فسددوه ووفقوه ، وادعوا الله له أن يتوب عليه ، ولا تكونوا أعوانا للشيطان عليه .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا عمر بن شبة ، حدثنا حماد بن واقد - أبو عمر الصفار - ، حدثنا ثابت البناني ، قال : كنت مع مصعب بن الزبير في سواد الكوفة ، فدخلت حائطا أصلي ركعتين فافتتحت : ( حم ) المؤمن ، حتى بلغت : ( لا إله إلا هو إليه المصير ) فإذا رجل خلفي على بغلة شهباء عليه مقطعات يمنية فقال : إذا قلت : ( غافر الذنب ) فقل : " يا غافر الذنب ، اغفر لي ذنبي " . [ ص: 129 ] وإذا قلت : ( وقابل التوب ) ، فقل : " يا قابل التوب ، اقبل توبتي " . وإذا قلت : ( شديد العقاب ) ، فقل : " يا شديد العقاب ، لا تعاقبني " . قال : فالتفت فلم أر أحدا ، فخرجت إلى الباب فقلت : مر بكم رجل عليه مقطعات يمنية ؟ قالوا : ما رأينا أحدا فكانوا يرون أنه إلياس .

ثم رواه من طريق أخرى ، عن ثابت ، بنحوه . وليس فيه ذكر إلياس .

التالي السابق


الخدمات العلمية