( 
وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون  ( 25 ) 
ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد  ( 26 ) 
ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير  ( 27 ) 
وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد  ( 28 ) ) 
يقول تعالى ممتنا على عباده بقبول توبتهم إليه إذا تابوا ورجعوا إليه : أنه من كرمه وحلمه أنه يعفو ويصفح ويستر ويغفر ، كقوله : ( 
ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما  ) [ النساء : 110 ] وقد ثبت في صحيح 
مسلم  ، رحمه الله ، حيث قال :  
[ ص: 205 ] 
حدثنا 
محمد بن الصباح   nindex.php?page=showalam&ids=11997وزهير بن حرب  قال حدثنا 
عمر بن يونس  ، حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=16585عكرمة بن عمار  ، حدثنا 
إسحاق بن أبي طلحة  ، حدثني 
أنس بن مالك   - وهو عمه - 
nindex.php?page=hadith&LINKID=822882قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه ، من أحدكم كان راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه ، وعليها طعامه وشرابه ، فأيس منها ، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها ، قد أيس من راحلته ، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده ، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي وأنا ربك - أخطأ من شدة الفرح " . 
وقد ثبت أيضا في الصحيح من رواية 
 nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود  نحوه . 
وقال 
عبد الرزاق  ، عن 
معمر  ، عن 
الزهري  في قوله : ( 
وهو الذي يقبل التوبة عن عباده  ) : إن 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة  قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=826075قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لله أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته في المكان الذي يخاف أن يقتله العطش فيه " . 
وقال 
همام بن الحارث   : سئل 
ابن مسعود  عن 
الرجل يفجر بالمرأة ثم يتزوجها ؟ قال : لا بأس به ، وقرأ : ( 
وهو الذي يقبل التوبة عن عباده  ) الآية رواه 
ابن جرير  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم  من حديث 
شريك القاضي  ، عن 
إبراهيم بن مهاجر  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي  ، عن 
همام  فذكره . 
وقوله : ( 
ويعفو عن السيئات  ) أي : يقبل التوبة في المستقبل ويعفو عن السيئات في الماضي ، ( 
ويعلم ما تفعلون  ) أي : هو عالم بجميع ما فعلتم وصنعتم وقلتم ، ومع هذا يتوب على من تاب إليه . 
وقوله : ( 
ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات  ) قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي   : يعني يستجيب لهم . وكذا قال 
ابن جرير   : معناه يستجيب الدعاء لهم [ لأنفسهم ] ولأصحابهم وإخوانهم . وحكاه عن بعض النحاة ، وأنه جعلها كقوله : ( 
فاستجاب لهم ربهم  ) [ آل عمران : 195 ] . 
ثم روى هو 
 nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم  ، من حديث 
الأعمش  ، عن 
شقيق بن سلمة  ، عن 
سلمة بن سبرة  قال : خطبنا 
معاذ  بالشام  فقال : أنتم المؤمنون ، وأنتم أهل 
الجنة   . والله إني أرجو أن يدخل الله من تسبون من 
فارس  والروم  الجنة ، وذلك بأن أحدكم إذا عمل له - يعني أحدهم - عملا قال : أحسنت رحمك الله ، أحسنت بارك الله فيك ، ثم قرأ : ( 
ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله  )  
[ ص: 206 ] 
وحكى 
ابن جرير  عن بعض أهل العربية أنه جعل [ مثل ] قوله : ( 
ويستجيب الذين آمنوا  ) كقوله : ( 
الذين يستمعون القول  ) [ الزمر : 18 ] أي : هم الذين يستجيبون للحق ويتبعونه ، كقوله تبارك وتعالى : ( 
إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله  ) [ الأنعام : 36 ] والمعنى الأول أظهر ; لقوله تعالى : ( 
ويزيدهم من فضله  ) أي : يستجيب دعاءهم ويزيدهم فوق ذلك ; ولهذا قال 
ابن أبي حاتم   : 
حدثنا 
علي بن الحسين  ، حدثنا 
محمد بن المصفى  ، حدثنا 
بقية  ، حدثنا 
إسماعيل بن عبد الله الكندي  ، حدثنا 
الأعمش  ، عن 
شقيق  عن 
عبد الله  قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=826076قال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله : ( ويزيدهم من فضله  ) قال : " الشفاعة لمن وجبت له النار ،  ممن صنع إليهم معروفا في الدنيا " . 
وقال 
قتادة  عن 
إبراهيم النخعي اللخمي  في قوله تعالى : ( 
ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات  ) قال : يشفعون في إخوانهم ، ( 
ويزيدهم من فضله  ) قال : يشفعون في إخوان إخوانهم . 
وقوله : ( 
والكافرون لهم عذاب شديد  ) لما ذكر المؤمنين وما لهم من الثواب الجزيل ، ذكر الكافرين وما لهم عنده يوم القيامة من العذاب الشديد الموجع المؤلم يوم معادهم وحسابهم . 
وقوله : ( 
ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض  ) أي : لو أعطاهم فوق حاجتهم من الرزق ، لحملهم ذلك على البغي والطغيان من بعضهم على بعض ، أشرا وبطرا . 
وقال 
قتادة   : كان يقال : خير العيش ما لا يلهيك ولا يطغيك . وذكر 
قتادة  حديث : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=822883 " إنما أخاف عليكم ما يخرج الله من زهرة الحياة الدنيا  " وسؤال السائل : أيأتي الخير بالشر ؟ الحديث . 
وقوله : ( 
ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير  ) أي : ولكن يرزقهم من الرزق ما يختاره مما فيه صلاحهم ، وهو أعلم بذلك فيغني من يستحق الغنى ، ويفقر من يستحق الفقر . كما جاء في الحديث المروي : " 
إن من عبادي لمن لا يصلحه إلا الغنى ، ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه ، وإن من عبادي لمن لا يصلحه إلا الفقر ، ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه " 
وقوله : ( 
وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا  ) أي : من بعد إياس الناس من نزول المطر ، ينزله عليهم في وقت حاجتهم وفقرهم إليه ، كقوله : ( 
وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين  ) [ الروم : 49 ] . 
وقوله : ( 
وينشر رحمته  ) أي : يعم بها الوجود على أهل ذلك القطر وتلك الناحية .  
[ ص: 207 ] 
قال 
قتادة   : ذكر لنا أن رجلا قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر بن الخطاب   : يا أمير المؤمنين ، قحط المطر وقنط الناس ؟ فقال 
عمر  ، رضي الله عنه : مطرتم ، ثم قرأ : ( 
وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته  ) . 
 ( 
وهو الولي الحميد  ) أي : هو المتصرف لخلقه بما ينفعهم في دنياهم وأخراهم ، وهو المحمود العاقبة في جميع ما يقدره ويفعله .