صفحة جزء
( ومن آياته الجواري في البحر كالأعلام ( 32 ) إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ( 33 ) أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير ( 34 ) ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص ( 35 ) )

يقول تعالى : ومن آياته الدالة على قدرته وسلطانه ، تسخيره البحر لتجري فيه الفلك بأمره ، وهي الجواري في البحر كالأعلام ، أي : كالجبال ، قاله مجاهد ، والحسن ، والسدي ، والضحاك ، أي : هي في البحر كالجبال في البر ، .

( إن يشأ يسكن الريح ) أي : التي تسير بالسفن ، لو شاء لسكنها حتى لا تتحرك السفن ، بل تظل راكدة لا تجيء ولا تذهب ، بل واقفة على ظهره ، أي : على وجه الماء ( إن في ذلك لآيات لكل صبار ) أي : في الشدائد ( شكور ) أي : إن في تسخيره البحر وإجرائه الهوى بقدر ما يحتاجون إليه لسيرهم ، لدلالات على نعمه تعالى على خلقه ( لكل صبار ) أي : في الشدائد ، ( شكور ) في الرخاء .

وقوله : ( أو يوبقهن بما كسبوا ) أي : ولو شاء لأهلك السفن وغرقها بذنوب أهلها الذين هم راكبون عليها ( ويعف عن كثير ) أي : من ذنوبهم . ولو أخذهم بجميع ذنوبهم لأهلك كل من ركب البحر .

وقال بعض علماء التفسير : معنى قوله : ( أو يوبقهن بما كسبوا ) أي : لو شاء لأرسل الريح قوية عاتية ، فأخذت السفن وأحالتها عن سيرها المستقيم ، فصرفتها ذات اليمين أو ذات الشمال ، آبقة لا تسير على طريق ، ولا إلى جهة مقصد .

[ ص: 210 ]

وهذا القول هو يتضمن هلاكها ، وهو مناسب للأول ، وهو أنه تعالى لو شاء لسكن الريح فوقفت ، أو لقواه فشردت وأبقت وهلكت . ولكن من لطفه ورحمته أنه يرسله بحسب الحاجة ، كما يرسل المطر بقدر الكفاية ، ولو أنزله كثيرا جدا لهدم البنيان ، أو قليلا لما أنبت الزرع والثمار ، حتى إنه يرسل إلى مثل بلاد مصر سيحا من أرض أخرى غيرها ; لأنهم لا يحتاجون إلى مطر ، ولو أنزل عليهم لهدم بنيانهم ، وأسقط جدرانهم .

وقوله : ( ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص ) أي : لا محيد لهم عن بأسنا ونقمتنا ، فإنهم مقهورون بقدرتنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية