( 
ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون  ( 57 ) 
وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون  ( 58 ) 
إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل  ( 59 ) 
ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون  ( 60 ) 
وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم  ( 61 ) 
ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين  ( 62 ) 
ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون  ( 63 ) 
إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم  ( 64 ) 
فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم  ( 65 ) ) . 
يقول تعالى مخبرا عن تعنت 
قريش  في كفرهم وتعمدهم العناد والجدل : ( 
ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون  ) قال غير واحد ، عن 
ابن عباس  ، ومجاهد  ، 
وعكرمة  ، 
والضحاك  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي   : يضحكون ، أي : أعجبوا بذلك . 
وقال 
قتادة   : يجزعون ويضحكون . وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي   : يعرضون . 
وكان السبب في ذلك ما ذكره 
محمد بن إسحاق  في السيرة حيث قال : وجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - فيما بلغني - يوما مع 
الوليد بن المغيرة  في المسجد ، فجاء 
النضر بن الحارث  حتى جلس معهم ، وفي المجلس غير واحد من رجال قريش ، فتكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعرض له النضر بن الحارث ، فكلمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أفحمه ، ثم تلا عليه وعليهم : ( 
إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون  ) الآيات [ الأنبياء : 98 ] . ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأقبل 
عبد الله بن الزبعرى التميمي  حتى جلس ، فقال 
الوليد بن المغيرة  له : والله ما قام 
النضر بن الحارث  لابن عبد المطلب وما قعد ، وقد زعم 
محمد  أنا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم ، فقال 
عبد الله بن الزبعرى   : أما والله لو وجدته لخصمته ، سلوا 
محمدا   : أكل ما يعبد من دون الله في جهنم مع من عبده ، فنحن نعبد الملائكة ، واليهود تعبد عزيرا ، والنصارى تعبد المسيح [ 
عيسى ] ابن مريم ؟  فعجب الوليد ومن كان معه في المجلس من قول 
عبد الله بن الزبعرى  ، ورأوا أنه قد احتج وخاصم ، فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501387كل من أحب أن يعبد من دون الله ، فهو مع من عبده ، فإنهم إنما يعبدون الشيطان ومن أمرهم بعبادته  " فأنزل الله عز وجل : ( 
إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون  ) [ الأنبياء : 101 ] أي : 
عيسى  وعزير  ومن عبد معهما من الأحبار والرهبان الذين مضوا على طاعة الله ، عز وجل ، فاتخذهم من يعبدهم من أهل الضلالة أربابا من دون الله . ونزل فيما يذكرون أنهم يعبدون الملائكة وأنهم بنات الله : ( 
وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون  ) الآيات [ الأنبياء : 26 ] ، ونزل  
[ ص: 234 ] فيما يذكر من أمر 
عيسى  وأنه يعبد من دون الله . وعجب 
الوليد  ومن حضره من حجته وخصومته : ( 
ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون  ) أي : يصدون عن أمرك بذلك من قوله . ثم ذكر 
عيسى  فقال : ( 
إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون وإنه لعلم للساعة  ) أي : ما وضعت على يديه من الآيات من إحياء الموتى وإبراء الأسقام ، فكفى به دليلا على علم الساعة ، يقول : ( 
فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم  ) . 
وذكر 
ابن جرير  من رواية 
العوفي  ، عن 
ابن عباس  قوله : ( 
ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون  ) قال : يعني 
قريشا ،  لما قيل لهم : ( 
إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون  ) [ الأنبياء : 98 ] إلى آخر الآيات ، فقالت له 
قريش   : فما 
ابن مريم  ؟ قال : " ذاك عبد الله ورسوله " . فقالوا : والله ما يريد هذا إلا أن نتخذه ربا ، كما اتخذت 
النصارى  عيسى ابن مريم  ربا ، فقال الله تعالى ( 
ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون  ) . 
وقال الإمام 
أحمد   : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=11920هاشم بن القاسم  ، حدثنا 
شيبان  ، عن 
عاصم بن أبي النجود  ، عن 
أبي رزين  ، عن 
أبي يحيى - مولى ابن عقيل الأنصاري -  قال : قال 
ابن عباس   : لقد علمت آية من القرآن ما سألني عنها رجل قط ، فما أدري أعلمها الناس فلم يسألوا عنها ، أم لم يفطنوا لها فيسألوا عنها . قال : ثم طفق يحدثنا ، فلما قام تلاومنا ألا نكون سألناه عنها . فقلت : أنا لها إذا راح غدا . فلما راح الغد قلت : يا 
ابن عباس  ، ذكرت أمس أن آية من القرآن لم يسألك عنها رجل قط ، فلا تدري أعلمها الناس أم لم يفطنوا لها ؟ فقلت : أخبرني عنها وعن اللاتي قرأت قبلها . قال : نعم ، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال 
لقريش   : " يا معشر 
قريش  ، إنه ليس أحد يعبد من دون الله فيه خير " ، وقد علمت 
قريش  أن 
النصارى  تعبد 
عيسى ابن مريم  ، وما تقول في 
محمد  ، فقالوا : يا 
محمد  ، ألست تزعم أن 
عيسى  كان نبيا وعبدا من عباد الله صالحا ، فإن كنت صادقا ، كان آلهتهم كما تقولون ؟ ! قال : فأنزل الله : ( 
ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون  ) . قلت : ما يصدون ؟ قال : يضحكون ، ( 
وإنه لعلم للساعة  ) قال : هو 
خروج عيسى ابن مريم قبل القيامة  . 
وقال 
ابن أبي حاتم   : حدثنا 
محمد بن يعقوب الدمشقي  ، حدثنا 
آدم  ، حدثنا 
شيبان  ، عن 
عاصم بن أبي النجود  ، عن 
أبي أحمد مولى الأنصار  ، عن 
ابن عباس  قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=822906قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا معشر قريش ، إنه ليس أحد يعبد من دون الله فيه خير " . فقالوا له : ألست تزعم أن عيسى كان نبيا وعبدا من عباد الله صالحا ، فقد كان يعبد من دون الله ؟ فأنزل الله عز وجل : ( ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون  )  .  
[ ص: 235 ] وقال 
مجاهد  في قوله : ( 
ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون  ) : قالت قريش : إنما يريد محمد أن نعبده كما عبد قوم عيسى عيسى  . ونحو هذا قال 
قتادة   . 
وقوله : ( 
وقالوا أآلهتنا خير أم هو  ) : قال 
قتادة   : يقولون : آلهتنا خير منه  . وقال 
قتادة   : قرأ 
ابن مسعود   : " وقالوا أآلهتنا خير أم هذا " ، يعنون 
محمدا   - صلى الله عليه وسلم - . 
وقوله : ( 
ما ضربوه لك إلا جدلا  ) أي : مراء ، وهم يعلمون أنه ليس بوارد على الآية ; لأنها لما لا يعقل ، وهي قوله : ( 
إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم  ) [ الأنبياء : 98 ] . ثم هي خطاب 
لقريش ،  وهم إنما كانوا يعبدون الأصنام والأنداد ، ولم يكونوا يعبدون المسيح حتى يوردوه ، فتعين أن مقالتهم إنما كانت جدلا منهم ، ليسوا يعتقدون صحتها . 
وقد قال الإمام 
أحمد  ، رحمه الله تعالى : حدثنا 
ابن نمير  ، حدثنا 
حجاج بن دينار  ، عن 
أبي غالب  ، عن 
أبي أمامة  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=822907ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه ، إلا أورثوا الجدل " ، ثم تلا هذه الآية : ( ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون  ) . 
وقد رواه 
الترمذي  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه   nindex.php?page=showalam&ids=16935، وابن جرير  ، من حديث 
حجاج بن دينار  ، به . ثم قال 
الترمذي   : حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديثه كذا قال . 
وقد روي من وجه آخر عن 
أبي أمامة  بزيادة فقال 
ابن أبي حاتم   : حدثنا 
حميد بن عياش الرملي  ، حدثنا 
مؤمل  ، حدثنا 
حماد  ، أخبرنا 
ابن مخزوم  ، عن 
القاسم أبي عبد الرحمن الشامي  ، عن 
أبي أمامة   - قال حماد : لا أدري رفعه أم لا ؟ - قال : ما ضلت أمة بعد نبيها إلا كان أول ضلالها التكذيب بالقدر ، وما ضلت أمة بعد نبيها إلا أعطوا الجدل ، ثم قرأ : ( 
ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون  ) 
وقال 
ابن جرير  أيضا : حدثنا 
أبو كريب  ، حدثنا 
أحمد بن عبد الرحمن  ، عن 
عباد بن عباد  ، عن 
جعفر  ، عن 
القاسم  ، عن 
أبي أمامة  قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=826088إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج على الناس وهم يتنازعون في القرآن ، فغضب غضبا شديدا حتى كأنما صب على وجهه الخل ، ثم قال : " لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض ، فإنه ما ضل قوم قط إلا أوتوا الجدل " ، ثم تلا ( ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون  )  [ ص: 236 ] 
وقوله : ( 
إن هو إلا عبد أنعمنا عليه  ) يعني : 
عيسى ،  عليه السلام ، ما هو إلا عبد [ من عباد الله ] أنعم الله عليه بالنبوة والرسالة ، ( 
وجعلناه مثلا لبني إسرائيل  ) أي : دلالة وحجة وبرهانا على قدرتنا على ما نشاء . 
وقوله : ( 
ولو نشاء لجعلنا منكم  ) أي : بدلكم ( 
ملائكة في الأرض يخلفون  ) ، قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي   : يخلفونك فيها . وقال 
ابن عباس  ، وقتادة   : يخلف بعضهم بعضا ، كما يخلف بعضكم بعضا . وهذا القول يستلزم الأول . وقال 
مجاهد   : يعمرون الأرض بدلكم . 
وقوله : ( 
وإنه لعلم للساعة  ) : تقدم تفسير 
ابن إسحاق   : أن المراد من ذلك : ما بعث به 
عيسى ،  عليه السلام ، من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ، وغير ذلك من الأسقام . وفي هذا نظر . وأبعد منه ما حكاه 
قتادة  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري   nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير   : أي الضمير في ) وإنه ) ، عائد على القرآن ، بل الصحيح أنه عائد على 
عيسى   [ عليه السلام ] ، فإن السياق في ذكره ، ثم المراد بذلك نزوله قبل يوم القيامة ، كما قال تبارك وتعالى : ( 
وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته  ) أي : قبل موت 
عيسى ،  عليه الصلاة والسلام ، ثم ( 
ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا  ) [ النساء : 159 ] ، ويؤيد هذا المعنى القراءة الأخرى : " وإنه لعلم للساعة " أي : أمارة ودليل على وقوع الساعة ، قال 
مجاهد   : ( 
وإنه لعلم للساعة  ) أي : آية للساعة خروج 
عيسى ابن مريم  قبل يوم القيامة . وهكذا روي عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة   [ رضي الله عنه ] 
 nindex.php?page=showalam&ids=11، وابن عباس   nindex.php?page=showalam&ids=11873، وأبي العالية  ، وأبي مالك  ، وعكرمة  ، 
والحسن  وقتادة  ، 
والضحاك  ، وغيرهم . 
وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أخبر بنزول 
عيسى [ ابن مريم   ] ، عليه السلام قبل يوم القيامة إماما عادلا وحكما مقسطا . 
وقوله : ( 
فلا تمترن بها  ) أي : لا تشكوا فيها ، إنها واقعة وكائنة لا محالة ، ( واتبعون ) أي : فيما أخبركم به ( 
هذا صراط مستقيم . ولا يصدنكم الشيطان  ) أي : عن اتباع الحق ( 
إنه لكم عدو مبين . ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة  ) أي : بالنبوة ( 
ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه  ) 
قال 
ابن جرير   : يعني من الأمور الدينية لا الدنيوية . وهذا الذي قاله حسن جيد ، ثم رد قول من زعم أن " بعض " هاهنا بمعنى " كل " ، واستشهد بقول 
لبيد  الشاعر :  
[ ص: 237 ] تراك أمكنة إذا لم أرضها أو يعتلق بعض النفوس حمامها 
وأولوه على أنه أراد جميع النفوس . قال 
ابن جرير   : وإنما أراد نفسه فقط ، وعبر بالبعض عنها . وهذا الذي قاله محتمل . 
وقوله : ( 
فاتقوا الله  ) أي : [ فيما ] أمركم به ، ( 
وأطيعون  ) ، فيما جئتكم به ، ( 
إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم  ) أي : أنا وأنتم عبيد له ، فقراء إليه ، مشتركون في عبادته وحده لا شريك له ، ( 
هذا صراط مستقيم  ) أي : هذا الذي جئتكم به هو الصراط المستقيم ، وهو عبادة الرب ، عز وجل ، وحده . 
وقوله : ( 
فاختلف الأحزاب من بينهم  ) أي : اختلفت الفرق وصاروا شيعا فيه ، منهم من يقر بأنه عبد الله ورسوله - وهو الحق - ومنهم من يدعي أنه ولد الله ، ومنهم من يقول : إنه الله - تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا - ولهذا قال : ( 
فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم  )