1. الرئيسية
  2. تفسير ابن كثير
  3. تفسير سورة القتال
  4. تفسير قوله تعالى " إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى "
صفحة جزء
( إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعمالهم ( 32 ) يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم ( 33 ) إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم ( 34 ) فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم ( 35 ) ) .

يخبر تعالى عمن كفر وصد عن سبيل الله ، وخالف الرسول وشاقه ، وارتد عن الإيمان من بعد ما تبين له الهدى : أنه لن يضر الله شيئا ، وإنما يضر نفسه ويخسرها يوم معادها ، وسيحبط الله عمله فلا يثيبه على سالف ما تقدم من عمله الذي عقبه بردته مثقال بعوضة من خير ، بل يحبطه ويمحقه بالكلية ، كما أن الحسنات يذهبن السيئات .

وقد قال الإمام محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة : حدثنا أبو قدامة ، حدثنا وكيع ، حدثنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية قال : كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يظنون أنه لا يضر مع " لا إله إلا الله " ذنب ، كما لا ينفع مع الشرك عمل ، فنزلت : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم ) فخافوا أن يبطل الذنب العمل .

[ ص: 323 ] ثم روي من طريق عبد الله بن المبارك : أخبرني بكير بن معروف ، عن مقاتل بن حيان ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : كنا معشر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نرى أنه ليس شيء من الحسنات إلا مقبول ، حتى نزلت : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم ) ، فقلنا : ما هذا الذي يبطل أعمالنا ؟ فقلنا : الكبائر الموجبات والفواحش ، حتى نزلت : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) [ النساء : 48 ] ، فلما نزلت كففنا عن القول في ذلك ، فكنا نخاف على من أصاب الكبائر والفواحش ، ونرجو لمن لم يصبها .

ثم أمر تعالى عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله التي هي سعادتهم في الدنيا والآخرة ، ونهاهم عن الارتداد الذي هو مبطل للأعمال ; ولهذا قال : ( ولا تبطلوا أعمالكم ) أي : بالردة ; ولهذا قال بعدها : ( إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم ) ، كقوله ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) الآية .

ثم قال لعباده المؤمنين : ( فلا تهنوا ) أي : لا تضعفوا عن الأعداء ، ( وتدعوا إلى السلم ) أي : المهادنة والمسالمة ، ووضع القتال بينكم وبين الكفار في حال قوتكم وكثرة عددكم وعددكم ; ولهذا قال : ( فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون ) أي : في حال علوكم على عدوكم ، فأما إذا كان الكفار فيهم قوة وكثرة بالنسبة إلى جميع المسلمين ، ورأى الإمام في المعاهدة والمهادنة مصلحة ، فله أن يفعل ذلك ، كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين صده كفار قريش عن مكة ، ودعوه إلى الصلح ووضع الحرب بينهم وبينه عشر سنين ، فأجابهم إلى ذلك .

وقوله : ( والله معكم ) فيه بشارة عظيمة بالنصر والظفر على الأعداء ، ( ولن يتركم أعمالكم ) أي : ولن يحبطها ويبطلها ويسلبكم إياها ، بل يوفيكم ثوابها ولا ينقصكم منها شيئا .

التالي السابق


الخدمات العلمية