( 
قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم  ( 14 ) 
إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون  ( 15 ) 
قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض والله بكل شيء عليم  ( 16 ) 
يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين  ( 17 ) 
إن الله يعلم غيب السماوات والأرض والله بصير بما تعملون  ( 18 ) )  
[ ص: 389 ] يقول تعالى منكرا على الأعراب الذين أول ما دخلوا في الإسلام ادعوا لأنفسهم مقام الإيمان ، ولم يتمكن الإيمان في قلوبهم بعد : ( 
قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم  ) . وقد استفيد من هذه الآية الكريمة : أن 
الإيمان أخص من الإسلام كما هو مذهب أهل السنة والجماعة ، ويدل عليه حديث 
جبريل ،  عليه السلام ، حين سأل عن الإسلام ، ثم عن الإيمان ، ثم عن الإحسان ، فترقى من الأعم إلى الأخص ، ثم للأخص منه . 
قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد   : حدثنا 
عبد الرزاق  ، أخبرنا 
معمر  ، عن 
الزهري  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16283عامر بن سعد بن أبي وقاص  ، عن أبيه قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=823905أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجالا ولم يعط رجلا منهم شيئا ، فقال سعد   : يا رسول الله ، أعطيت فلانا وفلانا ولم تعط فلانا شيئا ، وهو مؤمن ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أو مسلم " حتى أعادها سعد  ثلاثا ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " أو مسلم " ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إني لأعطي رجالا وأدع من هو أحب إلي منهم فلم أعطه شيئا ; مخافة أن يكبوا في النار على وجوههم " . 
أخرجاه في الصحيحين من حديث 
الزهري  ، به . 
فقد فرق النبي - صلى الله عليه وسلم - بين المسلم والمؤمن ، فدل على أن الإيمان أخص من الإسلام . وقد قررنا ذلك بأدلته في أول شرح كتاب الإيمان من " صحيح 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري   " ولله الحمد والمنة . ودل ذلك على أن ذاك الرجل كان مسلما ليس منافقا ; لأنه تركه من العطاء ووكله إلى ما هو فيه من الإسلام ، فدل هذا على أن هؤلاء الأعراب المذكورين في هذه الآية ليسوا بمنافقين ، وإنما هم مسلمون لم يستحكم الإيمان في قلوبهم ، فادعوا لأنفسهم مقاما أعلى مما وصلوا إليه ، فأدبوا في ذلك . وهذا معنى قول 
ابن عباس   nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي  ، 
وقتادة  ، واختاره 
ابن جرير   . وإنما قلنا هذا لأن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري  رحمه الله ذهب إلى أن هؤلاء كانوا منافقين يظهرون الإيمان وليسوا كذلك . وقد روي عن 
سعيد بن جبير  ، 
ومجاهد  ، 
وابن زيد  أنهم قالوا في قوله : ( 
ولكن قولوا أسلمنا  ) أي : استسلمنا خوف القتل والسباء . قال 
مجاهد   : نزلت في 
بني أسد بن خزيمة   . وقال 
قتادة   : نزلت في قوم امتنوا بإيمانهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . 
والصحيح الأول أنهم قوم ادعوا لأنفسهم مقام الإيمان ، ولم يحصل لهم بعد ، فأدبوا وأعلموا أن ذلك لم يصلوا إليه بعد ، ولو كانوا منافقين لعنفوا وفضحوا ، كما ذكر المنافقون في سورة براءة . وإنما قيل لهؤلاء تأديبا : ( 
قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم  ) أي : لم تصلوا إلى حقيقة الإيمان بعد . 
ثم قال : ( 
وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم [ شيئا ]  ) أي : لا ينقصكم من أجوركم شيئا ، كقوله : ( 
وما ألتناهم من عملهم من شيء  ) [ الطور : 21 ] . 
وقوله : ( 
إن الله غفور رحيم  ) أي : لمن تاب إليه وأناب .  
[ ص: 390 ] وقوله : ( 
إنما المؤمنون  ) أي : إنما المؤمنون الكمل ( 
الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا  ) أي : لم يشكوا ولا تزلزلوا ، بل ثبتوا على حال واحدة ، وهي التصديق المحض ، ( 
وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله  ) أي : وبذلوا مهجهم ونفائس أموالهم في طاعة الله ورضوانه ، ( 
أولئك هم الصادقون  ) أي : في قولهم إذا قالوا : " إنهم مؤمنون " ، لا كبعض الأعراب الذين ليس معهم من الدين إلا الكلمة الظاهرة . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد   : حدثنا 
يحيى بن غيلان  ، حدثنا 
رشدين  ، حدثني 
عمرو بن الحارث  ، عن 
أبي السمح  ، عن 
أبي الهيثم  ، عن 
أبي سعيد  قال : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=823906المؤمنون في الدنيا على ثلاثة أجزاء : [ الذين ] آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله . والذي يأمنه الناس على أموالهم وأنفسهم . ثم الذي إذا أشرف على طمع تركه لله عز وجل  " . 
وقوله : ( 
قل أتعلمون الله بدينكم  ) أي : أتخبرونه بما في ضمائركم ، ( 
والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض  ) أي : لا يخفى عليه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ، ( 
والله بكل شيء عليم  ) . 
ثم قال [ تعالى ] : ( 
يمنون عليك أن أسلموا  ) ، يعني : الأعراب [ الذين ] يمنون بإسلامهم ومتابعتهم ونصرتهم على الرسول ، يقول الله ردا عليهم : ( 
قل لا تمنوا علي إسلامكم  ) ، فإن نفع ذلك إنما يعود عليكم ، ولله المنة عليكم فيه ، ( 
بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين  ) أي : في دعواكم ذلك ، كما 
nindex.php?page=hadith&LINKID=823907قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للأنصار  يوم حنين   : " يا معشر الأنصار ،  ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي ؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي ؟ وعالة فأغناكم الله بي ؟ " كلما قال شيئا قالوا : الله ورسوله أمن  . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13863الحافظ أبو بكر البزار   : حدثنا 
إبراهيم بن سعيد الجوهري  ، حدثنا 
يحيى بن سعيد الأموي  ، عن 
محمد بن قيس  ، عن 
أبي عون  ، عن 
سعيد بن جبير  ، عن 
ابن عباس   [ رضي الله عنهما ] قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=826192جاءت بنو أسد  إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا رسول الله ، أسلمنا وقاتلتك العرب ، ولم نقاتلك ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن فقههم قليل ، وإن الشيطان ينطق على ألسنتهم  " . ونزلت هذه الآية : ( 
يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين  )  
[ ص: 391 ] ثم قال : لا نعلمه يروى إلا من هذا الوجه ، ولا نعلم روى 
أبو عون محمد بن عبيد الله  ، عن 
سعيد بن جبير  ، غير هذا الحديث . 
ثم كرر الإخبار بعلمه بجميع الكائنات ، وبصره بأعمال المخلوقات فقال : ( 
إن الله يعلم غيب السماوات والأرض والله بصير بما تعملون  ) 
آخر تفسير الحجرات ، ولله الحمد والمنة