صفحة جزء
( هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين ( 24 ) إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون ( 25 ) فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين ( 26 ) فقربه إليهم قال ألا تأكلون ( 27 ) فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم ( 28 ) فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم ( 29 ) قالوا كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم ( 30 ) )

هذه القصة قد تقدمت في سورة " هود " و " الحجر " أيضا . وقوله : ( هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين ) أي : الذين أرصد لهم الكرامة . وقد ذهب الإمام أحمد وطائفة من العلماء إلى وجوب الضيافة للنزيل ، وقد وردت السنة بذلك كما هو ظاهر التنزيل .

وقوله : ( قالوا سلاما قال سلام ) : الرفع أقوى وأثبت من النصب ، فرده أفضل من التسليم ; ولهذا قال تعالى : ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) [ النساء : 86 ] ، فالخليل اختار الأفضل .

وقوله : ( قوم منكرون ) : وذلك أن الملائكة وهم : جبريل وإسرافيل وميكائيل قدموا عليه في صور شبان حسان عليهم مهابة عظيمة ; ولهذا قال : ( قوم منكرون ) .

[ ص: 421 ] وقوله : ( فراغ إلى أهله ) أي : انسل خفية في سرعة ، ( فجاء بعجل سمين ) أي : من خيار ماله . وفي الآية الأخرى : ( فما لبث أن جاء بعجل حنيذ ) [ هود : 69 ] أي : مشوي على الرضف ، ( فقربه إليهم ) أي : أدناه منهم ، ( قال ألا تأكلون ) : تلطف في العبارة وعرض حسن .

وهذه الآية انتظمت آداب الضيافة ; فإنه جاء بطعامه من حيث لا يشعرون بسرعة ، ولم يمتن عليهم أولا فقال : " نأتيكم بطعام ؟ " بل جاء به بسرعة وخفاء ، وأتى بأفضل ما وجد من ماله ، وهو عجل فتي سمين مشوي ، فقربه إليهم ، لم يضعه ، وقال : اقتربوا ، بل وضعه بين أيديهم ، ولم يأمرهم أمرا يشق على سامعه بصيغة الجزم ، بل قال : ( ألا تأكلون ) على سبيل العرض والتلطف ، كما يقول القائل اليوم : إن رأيت أن تتفضل وتحسن وتتصدق ، فافعل .

وقوله : ( فأوجس منهم خيفة ) : هذا محال على ما تقدم في القصة في السورة الأخرى ، وهو قوله : ( فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط وامرأته قائمة فضحكت ) [ هود : 70 ، 71 ] أي : استبشرت بهلاكهم ; لتمردهم وعتوهم على الله ، فعند ذلك بشرتها الملائكة بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب . ( قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد ) [ هود 72 ، 73 ] ; ولهذا قال هاهنا : ( وبشروه بغلام عليم ) ، فالبشارة له هي بشارة لها ; لأن الولد منهما ، فكل منهما بشر به .

وقوله : ( فأقبلت امرأته في صرة ) أي : في صرخة عظيمة ورنة ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وأبو صالح ، والضحاك ، وزيد بن أسلم والثوري والسدي وهي قولها : ( يا ويلتا ) ( فصكت وجهها ) أي : ضربت بيدها على جبينها ، قاله مجاهد وابن سابط .

وقال ابن عباس : لطمت ، أي تعجبا كما تتعجب النساء من الأمر الغريب ، ( وقالت عجوز عقيم ) أي : كيف ألد وأنا عجوز [ عقيم ] ، وقد كنت في حال الصبا عقيما لا أحبل ؟ .

( قالوا كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم ) أي : عليم بما تستحقون من الكرامة ، حكيم في أقواله وأفعاله .

التالي السابق


الخدمات العلمية