( 
فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق  ( 200 ) 
ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار  ( 201 ) 
أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب  ( 202 ) ) 
يأمر تعالى بذكره والإكثار منه بعد قضاء المناسك وفراغها . 
وقوله : ( 
كذكركم آباءكم  ) اختلفوا في معناه ، فقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  ، عن 
عطاء   : هو كقول الصبي : " أبه أمه " ، يعني : كما يلهج الصبي بذكر أبيه وأمه ، فكذلك أنتم ، فالهجوا بذكر الله بعد قضاء النسك . وكذا قال 
الضحاك   nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس   . وروى 
ابن جرير  من طريق 
العوفي  ، عن 
ابن عباس  نحوه . 
وقال 
سعيد بن جبير  ، عن 
ابن عباس   [ قال ] : كان أهل الجاهلية يقفون في الموسم فيقول الرجل منهم : كان أبي يطعم ويحمل الحمالات [ ويحمل الديات ] . ليس لهم ذكر غير فعال آبائهم . فأنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم : ( 
فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا  ) 
قال 
ابن أبي حاتم   : وروي عن 
أنس بن مالك  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=16115وأبي وائل  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء بن أبي رباح  في أحد قوليه ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير  ، 
وعكرمة  في إحدى رواياته ، 
ومجاهد  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=16566وعطاء الخراساني  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس  ، 
والحسن  ، 
وقتادة  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=14980ومحمد بن كعب  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=17132ومقاتل بن حيان  ، نحو ذلك . وهكذا حكاه 
ابن جرير  أيضا عن جماعة ، والله أعلم . 
والمقصود منه الحث على كثرة الذكر لله عز وجل ; ولهذا كان انتصاب قوله : ( 
أو أشد ذكرا  ) على التمييز ، تقديره كذكركم آباءكم أو أشد منه ذكرا . و " أو " هاهنا لتحقيق المماثلة في الخبر ، كقوله : ( 
فهي كالحجارة أو أشد قسوة  ) [ البقرة : 74 ] ، وقوله : ( 
يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية  ) [ النساء : 77 ] ،  
[ ص: 558 ]  ) 
وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون  ) [ الصافات : 147 ] ، ( 
فكان قاب قوسين أو أدنى  ) [ النجم : 9 ] . فليست هاهنا للشك قطعا ، وإنما هي لتحقيق الخبر عنه بأنه كذلك أو أزيد منه . ثم إنه تعالى أرشد إلى دعائه بعد كثرة ذكره ، فإنه مظنة الإجابة ، وذم من لا يسأله إلا في أمر دنياه ، وهو معرض عن أخراه ، فقال : ( 
فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق  ) أي : من نصيب ولا حظ . وتضمن هذا الذم التنفير عن التشبه بمن هو كذلك . قال 
سعيد بن جبير  ، عن 
ابن عباس   : كان قوم من الأعراب يجيئون إلى الموقف ، فيقولون : اللهم اجعله عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن . لا يذكرون من أمر الآخرة شيئا ، فأنزل الله فيهم : ( 
فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق  ) وكان يجيء بعدهم آخرون [ من المؤمنين ] فيقولون : ( 
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار  ) فأنزل الله : ( 
أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب  ) ولهذا مدح من يسأله للدنيا والأخرى ، فقال : ( 
ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار  ) فجمعت هذه الدعوة كل خير في الدنيا ، وصرفت كل شر ، فإن الحسنة في الدنيا تشمل كل مطلوب دنيوي ، من عافية ، ودار رحبة ، وزوجة حسنة ، ورزق واسع ، وعلم نافع ، وعمل صالح ، ومركب هنيء ، وثناء جميل ، إلى غير ذلك مما اشتملت عليه عبارات المفسرين ، ولا منافاة بينها ، فإنها كلها مندرجة في الحسنة في الدنيا . وأما الحسنة في الآخرة فأعلى ذلك دخول الجنة وتوابعه من الأمن من الفزع الأكبر في العرصات ، وتيسير الحساب وغير ذلك من أمور الآخرة الصالحة ، وأما النجاة من النار فهو يقتضي تيسير أسبابه في الدنيا ، من اجتناب المحارم والآثام وترك الشبهات والحرام . 
وقال 
القاسم بن عبد الرحمن   : من أعطي قلبا شاكرا ، ولسانا ذاكرا ، وجسدا صابرا ، فقد أوتي في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ، ووقي عذاب النار  . 
ولهذا وردت السنة بالترغيب في هذا الدعاء . فقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري   : حدثنا 
أبو معمر  ، حدثنا 
عبد الوارث  ، عن 
عبد العزيز  ، عن 
أنس بن مالك  قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=820518 " اللهم ربنا ، آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار "  . 
وقال الإمام 
أحمد   : حدثنا 
إسماعيل بن إبراهيم  ، حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=16377عبد العزيز بن صهيب  ، عن 
أنس  قال : كان أكثر دعوة يدعو بها رسول الله صلى الله عليه وسلم [ يقول ] : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=820518 " اللهم ربنا ، آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار "  .  
[ ص: 559 ] 
[ وكان 
أنس  إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها ، وإذا أراد أن يدعو بدعاء دعا بها فيه ] . 
وقال 
ابن أبي حاتم   : حدثنا أبي ، حدثنا 
أبو نعيم  ، حدثنا 
عبد السلام بن شداد يعني أبا طالوت  قال : كنت عند 
أنس بن مالك  ، فقال له 
ثابت   : إن إخوانك يحبون أن تدعو لهم . فقال : اللهم آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار . وتحدثوا ساعة حتى إذا أرادوا القيام ، قال : يا 
أبا حمزة  ، إن إخوانك يريدون القيام فادع لهم فقال : تريدون أن أشقق لكم الأمور ، إذا آتاكم الله في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، ووقاكم عذاب النار فقد آتاكم الخير كله  . 
وقال 
أحمد  أيضا : حدثنا 
محمد بن أبي عدي  ، عن 
حميد  ، [ 
وعبد الله بن بكر السهمي  ، حدثنا 
حميد   ] 
nindex.php?page=hadith&LINKID=820519عن أنس  ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلا من المسلمين قد صار مثل الفرخ . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هل تدعو الله بشيء أو تسأله إياه ؟ " قال : نعم ، كنت أقول : اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سبحان الله ! لا تطيقه ، أو لا تستطيعه ، فهلا قلت : ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار  ) " . قال : فدعا الله ، فشفاه  . 
انفرد بإخراجه 
مسلم  ، فرواه من حديث 
ابن أبي عدي  به . 
وقال الإمام 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي   : أخبرنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=14971سعيد بن سالم القداح  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  ، عن 
يحيى بن عبيد مولى السائب  عن أبيه ، 
nindex.php?page=hadith&LINKID=820520عن عبد الله بن السائب   : أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما بين الركن اليماني والركن الأسود : ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار  ) . ورواه 
الثوري  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  كذلك . 
وروى 
ابن ماجه  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نحو ذلك . وفي سنده ضعف والله أعلم . 
وقال 
ابن مردويه   : حدثنا 
عبد الباقي  ، أخبرنا 
أحمد بن القاسم بن مساور  ، حدثنا 
سعيد بن سليمان  ، عن 
إبراهيم بن سليمان  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13617عبد الله بن هرمز  ، عن 
مجاهد  ، عن 
ابن عباس  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=824409 " ما مررت على الركن إلا رأيت عليه ملكا يقول : آمين . فإذا مررتم عليه فقولوا : ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار  )  
[ ص: 560 ] 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم  في مستدركه : أخبرنا 
أبو زكريا العنبري  ، حدثنا 
محمد بن عبد السلام  ، حدثنا 
إسحاق بن إبراهيم  ، أخبرنا 
جرير  ، عن 
الأعمش  ، عن 
مسلم البطين  ، عن 
سعيد بن جبير  قال : جاء رجل إلى 
ابن عباس  فقال : إني أجرت نفسي من قوم على أن يحملوني ، ووضعت لهم من أجرتي على أن يدعوني أحج معهم ، أفيجزي ذلك ؟ فقال : أنت من الذين قال الله [ فيهم ] : ( 
أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب  ) ثم قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم   : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه .