صفحة جزء
( وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال ( 41 ) في سموم وحميم ( 42 ) وظل من يحموم ( 43 ) لا بارد ولا كريم ( 44 ) إنهم كانوا قبل ذلك مترفين ( 45 ) وكانوا يصرون على الحنث العظيم ( 46 ) وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون ( 47 ) أوآباؤنا الأولون ( 48 ) قل إن الأولين والآخرين ( 49 ) لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ( 50 ) ثم إنكم أيها الضالون المكذبون ( 51 ) لآكلون من شجر من زقوم ( 52 ) فمالئون منها البطون ( 53 ) فشاربون عليه من الحميم ( 54 ) فشاربون شرب الهيم ( 55 ) هذا نزلهم يوم الدين ( 56 ) ) .

لما ذكر تعالى حال أصحاب اليمين ، عطف عليهم بذكر أصحاب الشمال ، فقال : ( وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال ) أي : أي شيء هم فيه أصحاب الشمال ؟ ثم فسر ذلك فقال : ( في سموم ) وهو : الهواء الحار ) وحميم ) وهو : الماء الحار .

( وظل من يحموم ) قال ابن عباس : ظل الدخان . وكذا قال مجاهد ، وعكرمة ، وأبو صالح ، وقتادة ، والسدي ، وغيرهم . وهذه كقوله تعالى : ( انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب إنها ترمي بشرر كالقصر كأنه جمالة صفر ويل يومئذ للمكذبين ) [ المرسلات : 29 ، 34 ] ، [ ص: 538 ] ولهذا قال هاهنا : ( وظل من يحموم ) وهو الدخان الأسود ( لا بارد ولا كريم ) أي : ليس طيب الهبوب ولا حسن المنظر ، كما قال الحسن وقتادة : ( ولا كريم ) أي : ولا كريم المنظر . وقال الضحاك : كل شراب ليس بعذب فليس بكريم .

وقال ابن جرير : العرب تتبع هذه اللفظة في النفي ، فيقولون : " هذا الطعام ليس بطيب ولا كريم ، هذا اللحم ليس بسمين ولا كريم ، وهذه الدار ليست بنظيفة ولا كريمة " .

ثم ذكر تعالى استحقاقهم لذلك ، فقال تعالى : ( إنهم كانوا قبل ذلك مترفين ) أي : كانوا في الدار الدنيا منعمين مقبلين على لذات أنفسهم ، لا يلوون على ما جاءتهم به الرسل .

( وكانوا يصرون ) أي : يصممون ولا ينوون توبة ( على الحنث العظيم ) وهو الكفر بالله ، وجعل الأوثان والأنداد أربابا من دون الله .

قال ابن عباس : ( الحنث العظيم ) الشرك . وكذا قال مجاهد ، وعكرمة ، والضحاك ، وقتادة ، والسدي ، وغيرهم .

وقال الشعبي : هو اليمين الغموس .

( وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون أوآباؤنا الأولون ) ؟ يعني : أنهم يقولون ذلك مكذبين به مستبعدين لوقوعه ، قال الله تعالى : ( قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ) أي : أخبرهم يا محمد أن الأولين والآخرين من بني آدم سيجمعون إلى عرصات القيامة ، لا نغادر منهم أحدا ، كما قال : ( ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وما نؤخره إلا لأجل معدود يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد ) [ هود : 103 - 105 ] . ولهذا قال هاهنا : ( لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ) أي : هو موقت بوقت محدد ، لا يتقدم ولا يتأخر ، ولا يزيد ولا ينقص .

( ثم إنكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون ) : وذلك أنهم يقبضون ويسجرون حتى يأكلوا من شجر الزقوم ، حتى يملئوا منها بطونهم ، ( فشاربون عليه من الحميم فشاربون شرب الهيم ) وهي الإبل العطاش ، واحدها أهيم ، والأنثى هيماء ، ويقال : هائم وهائمة .

قال ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة : الهيم : الإبل العطاش الظماء .

وعن عكرمة أنه قال : الهيم : الإبل المراض ، تمص الماء مصا ولا تروى .

وقال السدي : الهيم : داء يأخذ الإبل فلا تروى أبدا حتى تموت ، فكذلك أهل جهنم لا يروون من الحميم أبدا .

[ ص: 539 ] وعن خالد بن معدان : أنه كان يكره أن يشرب شرب الهيم عبة واحدة من غير أن يتنفس ثلاثا .

ثم قال تعالى : ( هذا نزلهم يوم الدين ) أي : هذا الذي وصفنا هو ضيافتهم عند ربهم يوم حسابهم ، كما قال في حق المؤمنين : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا ) [ الكهف : 107 ] أي : ضيافة وكرامة .

التالي السابق


الخدمات العلمية