[ ص: 261 ] تفسير سورة المدثر وهي مكية . 
بسم الله الرحمن الرحيم 
( 
يا أيها المدثر  ( 1 ) 
قم فأنذر  ( 2 ) 
وربك فكبر  ( 3 ) 
وثيابك فطهر  ( 4 ) 
والرجز فاهجر  ( 5 ) 
ولا تمنن تستكثر  ( 6 ) 
ولربك فاصبر  ( 7 ) 
فإذا نقر في الناقور  ( 8 ) 
فذلك يومئذ يوم عسير  ( 9 ) 
على الكافرين غير يسير  ( 10 ) ) 
ثبت في صحيح 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري   [ من حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير  ، عن 
أبي سلمة   ] عن 
جابر  أنه كان يقول : 
أول شيء نزل من القرآن  : ( 
يا أيها المدثر  ) 
وخالفه الجمهور فذهبوا إلى أن أول القرآن نزولا قوله تعالى : ( 
اقرأ باسم ربك الذي خلق  ) كما سيأتي [ بيان ] ذلك هناك . 
قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري   : حدثنا 
يحيى  ، حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع  ، عن 
علي بن المبارك  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير  ، قال : سألت 
أبا سلمة بن عبد الرحمن  عن أول ما نزل من القرآن ، قال : ( 
يا أيها المدثر  ) قلت : يقولون : ( 
اقرأ باسم ربك الذي خلق  ) ؟ فقال 
أبو سلمة   : سألت 
 nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله  عن ذلك ، وقلت له مثل ما قلت لي ، فقال 
جابر   : لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=823250 " جاورت بحراء  ، فلما قضيت جواري هبطت فنوديت فنظرت عن يميني فلم أر شيئا ، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا ، ونظرت أمامي فلم أر شيئا ، ونظرت خلفي فلم أر شيئا ، فرفعت رأسي فرأيت شيئا ، فأتيت خديجة فقلت : دثروني ، وصبوا علي ماء باردا . قال : فدثروني وصبوا علي ماء باردا قال : فنزلت ( يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر  ) 
هكذا ساقه من هذا الوجه . وقد رواه 
مسلم  من طريق 
عقيل  ، عن 
ابن شهاب  ، عن 
أبي سلمة  قال : أخبرني 
 nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله   : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=823251 " فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء ، فرفعت بصري قبل السماء ، فإذا الملك الذي جاءني بحراء  قاعد على كرسي بين السماء والأرض ، فجثثت منه حتى هويت إلى الأرض ، فجئت إلى أهلي ، فقلت : زملوني زملوني ، فزملوني ، فأنزل الله ( يا أيها المدثر قم فأنذر  ) إلى : ( فاهجر  ) -  [ ص: 262 ] قال أبو سلمة   : والرجز : الأوثان - ثم حمي الوحي وتتابع "  . 
هذا لفظ 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري  وهذا السياق هو المحفوظ ، وهو يقتضي أنه قد نزل الوحي قبل هذا ، لقوله : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=823252 " فإذا الملك الذي جاءني بحراء " ، وهو 
جبريل  حين أتاه بقوله : ( 
اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم  ) ثم إنه حصل بعد هذا فترة ، ثم نزل الملك بعد هذا . ووجه الجمع أن أول شيء نزل بعد فترة الوحي هذه السورة ، كما قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد   : 
حدثنا 
حجاج  ، حدثنا 
ليث  ، حدثنا 
عقيل  ، عن 
ابن شهاب  قال : سمعت 
أبا سلمة بن عبد الرحمن  يقول : أخبرني 
 nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله  أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=823253 " ثم فتر الوحي عني فترة ، فبينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء ، فرفعت بصري قبل السماء ، فإذا الملك الذي جاءني [ بحراء الآن ] قاعد على كرسي بين السماء والأرض ، فجثت منه فرقا ، حتى هويت إلى الأرض ، فجئت أهلي فقلت لهم : زملوني زملوني ، فزملوني ، فأنزل الله : ( يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر  ) ثم حمي الوحي [ بعد ] وتتابع "  . أخرجاه من حديث 
الزهري  ، به . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني   : حدثنا 
محمد بن علي بن شعيب السمسار  ، حدثنا 
الحسن بن بشر البجلي  ، حدثنا 
المعافى بن عمران  ، عن 
إبراهيم بن يزيد  ، سمعت 
 nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة  يقول : سمعت 
ابن عباس  يقول : إن 
الوليد بن المغيرة  صنع لقريش طعاما ، فلما أكلوا . قال : ما تقولون في هذا الرجل ؟ فقال بعضهم : ساحر . وقال بعضهم ليس بساحر . وقال بعضهم : كاهن . وقال بعضهم : ليس بكاهن . وقال بعضهم : شاعر . وقال بعضهم ليس بشاعر . وقال بعضهم : [ بل ] سحر يؤثر ، فأجمع رأيهم على أنه سحر يؤثر ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فحزن وقنع رأسه ، وتدثر ، فأنزل الله ( 
يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر ولا تمنن تستكثر ولربك فاصبر  ) . 
فقوله ( 
قم فأنذر  ) أي : شمر عن ساق العزم ، وأنذر الناس . وبهذا حصل الإرسال ، كما حصل بالأول النبوة . 
( 
وربك فكبر  ) أي : عظم . 
وقوله : ( 
وثيابك فطهر  ) قال 
الأجلح الكندي  ، عن 
عكرمة  ، عن 
ابن عباس   : أنه أتاه رجل فسأله عن هذه الآية : ( 
وثيابك فطهر  )  
[ ص: 263 ] قال : لا تلبسها على معصية ولا على غدرة . ثم قال : أما سمعت قول 
غيلان بن سلمة الثقفي   : 
فإني بحمد الله لا ثوب فاجر لبست ولا من غدرة أتقنع 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  ، عن 
عطاء  ، عن 
ابن عباس   [ في هذه الآية ] ( 
وثيابك فطهر  ) قال : في كلام العرب : نقي الثياب . وفي رواية بهذا الإسناد : فطهر من الذنوب . وكذا قال 
إبراهيم  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء   . 
وقال 
الثوري  ، عن رجل ، عن 
عطاء  ، عن 
ابن عباس  في هذه الآية : ( 
وثيابك فطهر  ) قال : من الإثم . وكذا قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي   . 
وقال 
مجاهد   : ( 
وثيابك فطهر  ) قال : نفسك ، ليس ثيابه . وفي رواية عنه : ( 
وثيابك فطهر  ) عملك فأصلح ، وكذا قال 
أبو رزين   . وقال في رواية أخرى : ( 
وثيابك فطهر  ) أي : لست بكاهن ولا ساحر ، فأعرض عما قالوا . 
وقال 
قتادة   : ( 
وثيابك فطهر  ) أي : طهرها من المعاصي ، وكانت العرب تسمي الرجل إذا نكث ولم يف بعهد الله إنه لمدنس الثياب ، وإذا وفى وأصلح : إنه لمطهر الثياب . 
وقال 
عكرمة  والضحاك   : لا تلبسها على معصية . 
وقال الشاعر 
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه     فكل رداء يرتديه جميل 
وقال 
العوفي  ، عن 
ابن عباس   : ( 
وثيابك فطهر  ) [ يعني ] لا تك ثيابك التي تلبس من مكسب غير طائب ، ويقال : لا تلبس ثيابك على معصية . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد بن سيرين   : ( 
وثيابك فطهر  ) أي : اغسلها بالماء . 
وقال 
ابن زيد   : كان المشركون لا يتطهرون ، فأمره الله أن يتطهر ، وأن يطهر ثيابه . 
وهذا القول اختاره 
ابن جرير  ، وقد تشمل الآية جميع ذلك مع طهارة القلب ، فإن العرب تطلق الثياب عليه ، كما قال 
امرؤ القيس   : 
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل     وإن كنت قد أزمعت هجري فأجملي 
وإن تك قد ساءتك مني خليقة     فسلي ثيابي من ثيابك تنسل 
وقال 
سعيد بن جبير   : ( 
وثيابك فطهر  ) وقلبك ونيتك فطهر .  
[ ص: 264 ] 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي  والحسن البصري   : وخلقك فحسن . 
وقوله : ( 
والرجز فاهجر  ) قال 
علي بن أبي طلحة  ، عن 
ابن عباس   : ( 
والرجز  ) وهو الأصنام ، فاهجر . وكذا قال 
مجاهد  ، 
وعكرمة  ، 
وقتادة  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري  ، 
وابن زيد   : إنها الأوثان . 
وقال 
إبراهيم  والضحاك   : ( 
والرجز فاهجر  ) أي : اترك المعصية . 
وعلى كل تقدير فلا يلزم تلبسه بشيء من ذلك ، كقوله : ( 
يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين  ) [ الأحزاب : 1 ] ( 
وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين  ) [ الأعراف : 142 ] . 
وقوله : ( 
ولا تمنن تستكثر  ) قال 
ابن عباس   : لا تعط العطية تلتمس أكثر منها . وكذا قال 
عكرمة  ، 
ومجاهد  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس  ، 
وأبو الأحوص  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي  ، 
والضحاك  ، 
وقتادة  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي  ، وغيرهم . 
وروي عن 
ابن مسعود  أنه قرأ : " ولا تمنن أن تستكثر " . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري   : لا تمنن بعملك على ربك تستكثره . وكذا قال 
الربيع بن أنس  ، واختاره 
ابن جرير   . وقال 
خصيف  ، عن 
مجاهد  في قوله : ( 
ولا تمنن تستكثر  ) قال : لا تضعف أن تستكثر من الخير ، قال : تمنن في كلام العرب : تضعف . 
وقال 
ابن زيد   : لا تمنن بالنبوة على الناس ، تستكثرهم بها ، تأخذ عليه عوضا من الدنيا . 
فهذه أربعة أقوال ، والأظهر القول الأول ، والله أعلم . 
وقوله : ( 
ولربك فاصبر  ) أي : اجعل صبرك على أذاهم لوجه ربك عز وجل ، قاله 
مجاهد   . وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي   : اصبر عطيتك لله تعالى . 
وقوله : ( 
فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير  ) قال 
ابن عباس  ، 
ومجاهد  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي  ، 
وزيد بن أسلم  ، 
والحسن  ، 
وقتادة  ، 
والضحاك  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي  ، 
وابن زيد   : ( 
الناقور  ) الصور . قال 
مجاهد   : وهو كهيئة القرن . 
وقال 
ابن أبي حاتم   : حدثنا 
أبو سعيد الأشج  ، حدثنا 
أسباط بن محمد  ، عن 
مطرف  ، عن 
عطية العوفي  ، عن 
ابن عباس   : ( 
فإذا نقر في الناقور  ) فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=823254 " كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته ، ينتظر متى يؤمر فينفخ؟ " فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : فما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال : " قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ، على الله توكلنا "  . 
وهكذا رواه 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد  ، عن 
أسباط  ، به ورواه 
ابن جرير  ، عن 
أبي كريب  ، عن 
ابن فضيل   [ ص: 265 ] وأسباط  ، كلاهما عن 
مطرف  ، به . ورواه من طريق أخرى ، عن 
العوفي  ، عن 
ابن عباس  ، به . 
وقوله : ( 
فذلك يومئذ يوم عسير  ) أي : شديد . 
( 
على الكافرين غير يسير  ) أي : غير سهل عليهم . كما قال تعالى ( 
يقول الكافرون هذا يوم عسر  ) [ القمر : 8 ] . 
وقد روينا عن 
زرارة بن أوفى   - قاضي البصرة - : أنه صلى بهم الصبح ، فقرأ هذه السورة ، فلما وصل إلى قوله : ( 
فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير  ) شهق شهقة ، ثم خر ميتا ، رحمه الله .