صفحة جزء
[ ص: 315 ] ( هل أتاك حديث موسى ( 15 ) ) ( إذ ناداه ربه بالوادي المقدس طوى ( 16 ) اذهب إلى فرعون إنه طغى ( 17 ) فقل هل لك إلى أن تزكى ( 18 ) وأهديك إلى ربك فتخشى ( 19 ) فأراه الآية الكبرى ( 20 ) فكذب وعصى ( 21 ) ثم أدبر يسعى ( 22 ) فحشر فنادى ( 23 ) فقال أنا ربكم الأعلى ( 24 ) فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ( 25 ) إن في ذلك لعبرة لمن يخشى ( 26 ) )

يخبر تعالى رسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم - عن عبده ورسوله موسى ، عليه السلام ، أنه ابتعثه إلى فرعون ، وأيده بالمعجزات ، ومع هذا استمر على كفره وطغيانه ، حتى أخذه الله أخذ عزيز مقتدر . وكذلك عاقبة من خالفك وكذب بما جئت به ; ولهذا قال في آخر القصة : ( إن في ذلك لعبرة لمن يخشى )

فقوله : ( هل أتاك حديث موسى ) ؟ أي : هل سمعت بخبره ؟ ( إذ ناداه ربه ) أي : كلمه نداء ، ( بالوادي المقدس ) أي : المطهر ، ( طوى ) وهو اسم الوادي على الصحيح ، كما تقدم في سورة طه . فقال له : ( اذهب إلى فرعون إنه طغى ) أي : تجبر وتمرد وعتا ، ( فقل هل لك إلى أن تزكى ) ؟ أي : قل له هل لك أن تجيب إلى طريقة ومسلك تزكى به ، أي : تسلم وتطيع . ( وأهديك إلى ربك ) أي : أدلك إلى عبادة ربك ، ( فتخشى ) أي : فيصير قلبك خاضعا له مطيعا خاشيا بعدما كان قاسيا خبيثا بعيدا من الخير . ( فأراه الآية الكبرى ) يعني : فأظهر له موسى مع هذه الدعوة الحق حجة قوية ، ودليلا واضحا على صدق ما جاءه به من عند الله ، ( فكذب وعصى ) أي : فكذب بالحق وخالف ما أمره به من الطاعة . وحاصله أنه كفر قلبه فلم ينفعل لموسى بباطنه ولا بظاهره ، وعلمه بأن ما جاء به أنه حق لا يلزم منه أنه مؤمن به ; لأن المعرفة علم القلب ، والإيمان عمله ، وهو الانقياد للحق والخضوع له .

وقوله : ( ثم أدبر يسعى ) أي : في مقابلة الحق بالباطل ، وهو جمعه السحرة ليقابلوا ما جاء به موسى ، عليه السلام ، من المعجزة الباهرة ، ( فحشر فنادى ) أي : في قومه ، ( فقال أنا ربكم الأعلى )

قال ابن عباس ومجاهد : وهذه الكلمة قالها فرعون بعد قوله : ( ما علمت لكم من إله غيري ) [ القصص : 38 ] بأربعين سنة .

قال الله تعالى : ( فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ) أي : انتقم الله منه انتقاما جعله به عبرة ونكالا لأمثاله من المتمردين في الدنيا ، ( ويوم القيامة بئس الرفد المرفود ) [ هود : 99 ] ، كما قال تعالى : ( وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون ) [ القصص : 41 ] . هذا هو الصحيح في معنى الآية ، أن المراد بقوله : ( نكال الآخرة والأولى ) أي : الدنيا والآخرة ، وقيل : المراد بذلك كلمتاه الأولى والثانية . وقيل : كفره وعصيانه . والصحيح الذي لا شك فيه الأول .

وقوله : ( إن في ذلك لعبرة لمن يخشى ) أي : لمن يتعظ وينزجر .



التالي السابق


الخدمات العلمية