[ ص: 316 ]  ( 
أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها  ( 27 ) 
رفع سمكها فسواها  ( 28 ) 
وأغطش ليلها وأخرج ضحاها  ( 29 ) 
والأرض بعد ذلك دحاها  ( 30 ) 
أخرج منها ماءها ومرعاها  ( 31 ) 
والجبال أرساها  ( 32 ) 
متاعا لكم ولأنعامكم  ( 33 ) ) 
يقول تعالى محتجا على 
منكري البعث في إعادة الخلق بعد بدئه  : ( أأنتم ) أيها الناس ( 
أشد خلقا أم السماء  ) ؟ يعني : بل السماء أشد خلقا منكم ، كما قال تعالى : ( 
لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس  ) [ غافر : 57 ] ، وقال : ( 
أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم  ) [ يس : 81 ] ، فقوله : ( بناها ) فسره بقوله : ( 
رفع سمكها فسواها  ) أي : جعلها عالية البناء ، بعيدة الفناء ، مستوية الأرجاء ، مكللة بالكواكب في الليلة الظلماء . 
وقوله : ( 
وأغطش ليلها وأخرج ضحاها  ) أي : جعل ليلها مظلما أسود حالكا ، ونهارها مضيئا مشرقا نيرا واضحا . 
قال 
ابن عباس   : أغطش ليلها : أظلمه . وكذا قال 
مجاهد  ، 
وعكرمة  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير  ، وجماعة كثيرون . 
( 
وأخرج ضحاها  ) أي : أنار نهارها . 
وقوله : ( 
والأرض بعد ذلك دحاها  ) فسره بقوله : ( 
أخرج منها ماءها ومرعاها  ) وقد تقدم في سورة " حم السجدة " أن الأرض خلقت قبل السماء ، ولكن إنما دحيت بعد خلق السماء ، بمعنى أنه أخرج ما كان فيها بالقوة إلى الفعل . وهذا معنى قول 
ابن عباس  ، وغير واحد ، واختاره 
ابن جرير   . 
وقال 
ابن أبي حاتم   : حدثنا أبي ، حدثنا 
عبد الله بن جعفر الرقي  ، حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=16525عبيد الله - يعني ابن عمرو -  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15941زيد بن أبي أنيسة  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15342المنهال بن عمرو  ، عن 
سعيد بن جبير  ، عن 
ابن عباس   : ( 
دحاها  ) ودحيها أن أخرج منها الماء والمرعى ، وشقق [ فيها ] الأنهار ، وجعل فيها الجبال والرمال والسبل والآكام ، فذلك قوله : ( 
والأرض بعد ذلك دحاها  ) وقد تقدم تقرير ذلك هنالك . 
وقوله : ( 
والجبال أرساها  ) أي : قررها وأثبتها وأكدها في أماكنها ، وهو الحكيم العليم ، الرءوف بخلقه الرحيم . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد   : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون  ، أخبرنا 
العوام بن حوشب  ، عن 
سليمان بن أبي سليمان  ، عن 
أنس بن مالك  ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=820692 " لما خلق الله الأرض جعلت تميد ، فخلق الجبال فألقاها عليها ، فاستقرت فتعجبت الملائكة من خلق الجبال فقالت : يا رب ، فهل من  [ ص: 317 ] خلقك شيء أشد من الجبال ؟ قال نعم ، الحديد . قالت : يا رب ، فهل من خلقك شيء أشد من الحديد ؟ قال : نعم ، النار . قالت : يا رب ، فهل من خلقك شيء أشد من النار ؟ قال : نعم ، الماء . قالت : يا رب ، فهل من خلقك شيء أشد من الماء ؟ قال : نعم ، الريح . قالت : يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الريح ؟ قال : نعم ، ابن آدم ، يتصدق بيمينه يخفيها من شماله "  . 
وقال 
أبو جعفر بن جرير   : حدثنا 
ابن حميد  ، حدثنا 
جرير  ، عن 
عطاء  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12067أبي عبد الرحمن السلمي  ، عن 
علي  قال : لما 
خلق الله الأرض قمصت وقالت : تخلق علي آدم وذريته ، يلقون علي نتنهم ويعملون علي بالخطايا ، فأرساها الله بالجبال ، فمنها ما ترون ، ومنها ما لا ترون ، وكان أول قرار الأرض كلحم الجزور إذا نحر ، يختلج لحمه . غريب . 
وقوله ( 
متاعا لكم ولأنعامكم  ) أي : دحا الأرض فأنبع عيونها ، وأظهر مكنونها ، وأجرى أنهارها ، وأنبت زروعها وأشجارها وثمارها ، وثبت جبالها ، لتستقر بأهلها ويقر قرارها ، كل ذلك متاعا لخلقه ولما يحتاجون إليه من الأنعام التي يأكلونها ويركبونها مدة احتياجهم إليها في هذه الدار إلى أن ينتهي الأمد ، وينقضي الأجل .