[ ص: 429 ] تفسير سورة ألم نشرح وهي مكية . 
بسم الله الرحمن الرحيم 
( 
ألم نشرح لك صدرك  ( 1 ) 
ووضعنا عنك وزرك  ( 2 ) 
الذي أنقض ظهرك  ( 3 ) 
ورفعنا لك ذكرك  ( 4 ) 
فإن مع العسر يسرا  ( 5 ) 
إن مع العسر يسرا  ( 6 ) 
فإذا فرغت فانصب  ( 7 ) 
وإلى ربك فارغب  ( 8 ) ) 
يقول تعالى : ( 
ألم نشرح لك صدرك  ) يعني : أما شرحنا لك صدرك ، أي : نورناه وجعلناه فسيحا رحيبا واسعا كقوله : ( 
فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام  ) [ الأنعام : 125 ] ، وكما شرح الله صدره كذلك جعل شرعه فسيحا واسعا سمحا سهلا لا حرج فيه ولا إصر ولا ضيق . 
وقيل : المراد بقوله : ( 
ألم نشرح لك صدرك  ) شرح صدره ليلة الإسراء ، كما تقدم من رواية 
مالك بن صعصعة  ، وقد أورده 
الترمذي  هاهنا . وهذا وإن كان واقعا ، ولكن لا منافاة ، فإن من جملة شرح صدره الذي فعل بصدره ليلة الإسراء ، وما نشأ عنه من الشرح المعنوي أيضا ، والله أعلم . 
قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=16408عبد الله بن الإمام أحمد   : حدثني 
محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى البزاز  ، حدثنا 
يونس بن محمد  ، حدثنا 
معاذ بن محمد بن معاذ بن محمد بن أبي بن كعب  ، حدثني 
أبي محمد بن معاذ  ، عن 
معاذ  ، عن 
محمد  ، عن 
أبي بن كعب   : أن 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة  كان جريا على أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء لا يسأله عنها غيره ، فقال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=823333يا رسول الله ، ما أول ما رأيت من أمر النبوة ؟ فاستوى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا وقال : " لقد سألت يا  nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة  ، إني لفي الصحراء ابن عشر سنين وأشهر ، وإذا بكلام فوق رأسي ، وإذا رجل يقول لرجل : أهو هو ؟ [ قال : نعم ] فاستقبلاني بوجوه لم أرها [ لخلق ] قط ، وأرواح لم أجدها من خلق قط ، وثياب لم أرها على أحد قط . فأقبلا إلي يمشيان ، حتى أخذ كل واحد منهما بعضدي ، لا أجد لأحدهما مسا ، فقال أحدهما لصاحبه : أضجعه . فأضجعاني بلا قصر ولا هصر . فقال أحدهما لصاحبه : افلق صدره . فهوى أحدهما إلى صدري ففلقه فيما أرى بلا دم ولا وجع ، فقال له : أخرج الغل والحسد ، فأخرج شيئا كهيئة العلقة ثم نبذها فطرحها ، فقال له : أدخل الرأفة والرحمة ، فإذا مثل الذي أخرج ، شبه الفضة ، ثم هز  [ ص: 430 ] إبهام رجلي اليمنى فقال : اغد واسلم . فرجعت بها أغدو ، رقة على الصغير ، ورحمة للكبير "  . 
وقوله : ( 
ووضعنا عنك وزرك  ) بمعنى : ( 
ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر  ) [ الفتح : 2 ] ( 
الذي أنقض ظهرك  ) الإنقاض : الصوت . وقال غير واحد من السلف في قوله : ( 
الذي أنقض ظهرك  ) أي : أثقلك حمله . 
وقوله : ( 
ورفعنا لك ذكرك  ) قال 
مجاهد   : لا أذكر إلا ذكرت معي : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن 
محمدا  رسول الله  . 
وقال 
قتادة   : رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة ، فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادي بها : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن 
محمدا  رسول الله . 
قال 
ابن جرير   : حدثني 
يونس  ، أخبرنا 
ابن وهب  ، أخبرنا 
عمرو بن الحارث  ، عن 
دراج  ، عن 
أبي الهيثم  ، عن 
أبي سعيد  ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=826727 " أتاني جبريل  فقال : إن ربي وربك يقول : كيف رفعت ذكرك ؟ قال : الله أعلم . قال : إذا ذكرت ذكرت معي " ، وكذا رواه 
ابن أبي حاتم  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى  به ، ورواه 
أبو يعلى  من طريق 
ابن لهيعة  ، عن 
دراج   . 
وقال 
ابن أبي حاتم   : حدثنا 
أبو زرعة  ، حدثنا 
أبو عمر الحوضي  ، حدثنا 
حماد بن زيد  ، حدثنا 
عطاء بن السائب  ، عن 
سعيد بن جبير  ، عن 
ابن عباس  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=826728 " سألت ربي مسألة وددت أني لم أكن سألته ، قلت : قد كانت قبلي أنبياء ، منهم من سخرت له الريح ومنهم من يحيي الموتى . قال : يا محمد  ألم أجدك يتيما فآويتك ؟ قلت : بلى يا رب . قال : ألم أجدك ضالا فهديتك ؟ قلت : بلى يا رب . قال : ألم أجدك عائلا فأغنيتك ؟ قال : قلت : بلى يا رب . قال : ألم أشرح لك صدرك ؟ ألم أرفع لك ذكرك ؟ قلت : بلى يا رب "  . 
وقال 
أبو نعيم  في " دلائل النبوة " : حدثنا 
أبو أحمد الغطريفي  ، حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=14037موسى بن سهل الجوني  ، حدثنا 
أحمد بن القاسم بن بهرام الهيتي  ، حدثنا 
نصر بن حماد  ، عن 
عثمان بن عطاء  ، عن 
الزهري  ، عن 
أنس  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : 
 " لما فرغت مما أمرني الله به من أمر السموات والأرض قلت : يا رب ، إنه لم يكن نبي قبلي إلا وقد كرمته ، جعلت إبراهيم  خليلا وموسى  كليما ، وسخرت لداود  الجبال ولسليمان  الريح والشياطين ، وأحييت لعيسى  الموتى ، فما جعلت لي ؟ قال : أوليس قد أعطيتك أفضل من ذلك كله ، أني لا أذكر إلا ذكرت معي ، وجعلت صدور أمتك أناجيل يقرءون القرآن ظاهرا ، ولم أعطها أمة ، وأعطيتك كنزا من كنوز عرشي : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم "  .  
[ ص: 431 ] 
وحكى 
البغوي  ، عن 
ابن عباس  ومجاهد   : أن المراد بذلك : الأذان . يعني : ذكره فيه ، وأورد من شعر 
حسان بن ثابت   : 
أغر عليه للنبوة خاتم من الله من نور يلوح ويشهد     وضم الإله اسم النبي إلى اسمه 
إذا قال في الخمس المؤذن : أشهد     وشق له من اسمه ليجله 
فذو العرش محمود وهذا محمد 
وقال آخرون : رفع الله ذكره في الأولين والآخرين ، ونوه به ، حين أخذ الميثاق على جميع النبيين أن يؤمنوا به ، وأن يأمروا أممهم بالإيمان به ، ثم شهر ذكره في أمته فلا يذكر الله إلا ذكر معه . 
وما أحسن ما قال 
الصرصري  رحمه الله : 
لا يصح الأذان في الفرض إلا     باسمه العذب في الفم المرضي 
وقال أيضا : 
 [ ألم تر أنا لا يصح أذاننا     ولا فرضنا إن لم نكرره فيهما ] 
وقوله : ( 
فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا  ) أخبر تعالى أن مع العسر يوجد اليسر ، ثم أكد هذا الخبر . 
قال 
ابن أبي حاتم   : حدثنا 
أبو زرعة  ، حدثنا 
محمود بن غيلان  ، حدثنا 
حميد بن حماد بن خوار أبو الجهم  ، حدثنا 
عائذ بن شريح  قال : سمعت 
أنس بن مالك  يقول : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=826730كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا وحياله جحر ، فقال : " لو جاء العسر فدخل هذا الجحر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه " ، فأنزل الله عز وجل : ( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا  )  . 
ورواه 
 nindex.php?page=showalam&ids=13863أبو بكر البزار  في مسنده عن 
محمد بن معمر  ، عن 
حميد بن حماد  به ، ولفظه : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=826731 " لو جاء العسر حتى يدخل هذا الجحر لجاء اليسر حتى يخرجه " ثم قال : ( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا  ) ثم قال 
البزار   : لا نعلم رواه عن 
أنس  إلا 
عائذ بن شريح   . 
قلت : وقد قال فيه 
 nindex.php?page=showalam&ids=11970أبو حاتم الرازي   : في حديثه ضعف ، ولكن رواه 
شعبة  ، عن 
معاوية بن قرة  ، عن رجل ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود  موقوفا .  
[ ص: 432 ] 
وقال 
ابن أبي حاتم   : حدثنا 
الحسن بن محمد بن الصباح  ، حدثنا 
أبو قطن  ، حدثنا 
المبارك بن فضالة  عن 
الحسن  قال : كانوا يقولون : لا يغلب عسر واحد يسرين اثنين  . 
وقال 
ابن جرير   : حدثنا 
ابن عبد الأعلى  ، حدثنا 
ابن ثور  ، عن 
معمر  ، عن 
الحسن  قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=826732خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوما مسرورا فرحا وهو يضحك ، وهو يقول : " لن يغلب عسر يسرين ، لن يغلب عسر يسرين ، فإن مع العسر يسرا ، إن مع العسر يسرا "  . 
وكذا رواه من حديث 
عوف الأعرابي   nindex.php?page=showalam&ids=17419ويونس بن عبيد  ، عن 
الحسن  مرسلا . 
وقال 
سعيد  ، عن 
قتادة   : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=826733ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر أصحابه بهذه الآية فقال : " لن يغلب عسر يسرين "  . 
ومعنى هذا : أن العسر معرف في الحالين ، فهو مفرد ، واليسر منكر فتعدد ; ولهذا قال : " لن يغلب عسر يسرين " ، يعني قوله : ( 
فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا  ) فالعسر الأول عين الثاني واليسر تعدد . 
وقال 
الحسن بن سفيان   : حدثنا 
يزيد بن صالح  ، حدثنا 
خارجة  ، عن 
عباد بن كثير  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد  ، عن 
أبي صالح  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة   : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=826734 " نزل المعونة من السماء على قدر المؤونة ، ونزل الصبر على قدر المصيبة "  . 
ومما يروى عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  رضي الله عنه ، أنه قال : 
صبرا جميلا ما أقرب الفرجا     من راقب الله في الأمور نجا 
من صدق الله لم ينله أذى     ومن رجاه يكون حيث رجا 
وقال 
ابن دريد   : أنشدني 
 nindex.php?page=showalam&ids=11971أبو حاتم السجستاني   : 
إذا اشتملت على اليأس القلوب     وضاق لما به الصدر الرحيب 
وأوطأت المكاره واطمأنت     وأرست في أماكنها الخطوب 
ولم تر لانكشاف الضر وجها     ولا أغنى بحيلته الأريب 
 [ ص: 433 ] أتاك على قنوط منك غوث     يمن به اللطيف المستجيب 
وكل الحادثات إذا تناهت     فموصول بها الفرج القريب 
وقال آخر : 
ولرب نازلة يضيق بها الفتى     ذرعا وعند الله منها المخرج 
كملت فلما استحكمت حلقاتها     فرجت وكان يظنها لا تفرج 
وقوله : ( 
فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب  ) أي : إذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها وقطعت علائقها ، فانصب في العبادة ، وقم إليها نشيطا فارغ البال ، وأخلص لربك النية والرغبة . ومن هذا القبيل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823334 " لا صلاة بحضرة طعام ، ولا وهو يدافعه الأخبثان " وقوله صلى الله عليه وسلم : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=823335 " إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء ، فابدءوا بالعشاء "  . 
قال 
مجاهد  في هذه الآية : إذا فرغت من أمر الدنيا فقمت إلى الصلاة ، فانصب لربك . وفي رواية عنه : إذا قمت إلى الصلاة فانصب في حاجتك ، وعن 
ابن مسعود   : إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل . وعن 
ابن عياض  نحوه . وفي رواية عن 
ابن مسعود   : ( 
فانصب وإلى ربك فارغب  ) بعد فراغك من الصلاة وأنت جالس  . 
وقال 
علي بن أبي طلحة  عن 
ابن عباس   : ( 
فإذا فرغت فانصب  ) يعني : في الدعاء  . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم  والضحاك   : ( 
فإذا فرغت  ) أي : من الجهاد ( 
فانصب  ) أي : في العبادة  .  ( 
وإلى ربك فارغب  ) قال 
الثوري   : اجعل نيتك ورغبتك إلى الله عز وجل  . 
آخر تفسير سورة " ألم نشرح " ولله الحمد .