( 
قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون  ( 64 ) ) 
هذا الخطاب يعم أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، ومن جرى مجراهم ( 
قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة  ) والكلمة تطلق على الجملة المفيدة كما قال هاهنا . ثم وصفها بقوله : ( 
سواء بيننا وبينكم  ) أي : عدل ونصف ، نستوي نحن وأنتم فيها . ثم فسرها بقوله : 
 ( ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا  )  
[ ص: 56 ] لا وثنا ، ولا صنما ، ولا صليبا ولا طاغوتا ، ولا نارا ، ولا شيئا بل نفرد العبادة لله وحده لا شريك له . وهذه دعوة جميع الرسل ، قال الله تعالى : ( 
وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون  ) [ الأنبياء : 25 ] . [ وقال تعالى ] ( 
ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت  ) [ النحل : 36 ] . 
ثم قال : ( 
ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله  ) وقال ابن جريج : يعني : يطيع بعضنا بعضا في معصية الله . وقال 
عكرمة   : يعني : يسجد بعضنا لبعض . 
( 
فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون  ) أي : فإن تولوا عن هذا النصف وهذه الدعوة فأشهدوهم أنتم على استمراركم على الإسلام الذي شرعه الله لكم . 
وقد ذكرنا في شرح 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري  ، عند روايته من طريق 
الزهري  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16523عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود  ، عن 
ابن عباس  ، عن 
أبي سفيان  ، في قصته حين دخل على قيصر ، فسألهم عن نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن صفته ونعته وما يدعو إليه ، فأخبره بجميع ذلك على الجلية ، مع أن 
أبا سفيان  كان إذ ذاك مشركا لم يسلم بعد ، وكان ذلك بعد صلح الحديبية وقبل الفتح ، كما هو مصرح به في الحديث ، ولأنه لما قال هل يغدر ؟ قال : فقلت : لا ، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو صانع فيها . قال : ولم يمكني كلمة أزيد فيها شيئا سوى هذه : والغرض أنه قال : ثم جيء بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه ، فإذا فيه : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=820819 " بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم ، سلام على من اتبع الهدى . أما بعد ، فأسلم تسلم ، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين ، و ( يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون  )  . 
وقد ذكر 
محمد بن إسحاق  وغير واحد أن صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها نزلت في وفد نجران ، وقال 
الزهري   : هم أول من بذل الجزية . ولا خلاف أن آية الجزية نزلت بعد الفتح ، فما الجمع بين كتابة هذه الآية قبل الفتح إلى هرقل في جملة الكتاب ، وبين ما ذكره 
محمد بن إسحاق   nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري  ؟ والجواب من وجوه : 
أحدها : يحتمل أن هذه الآية نزلت مرتين ، مرة قبل الحديبية ، ومرة بعد الفتح .  
[ ص: 57 ] الثاني : يحتمل أن صدر سورة آل عمران نزل في وفد نجران إلى عند هذه الآية ، وتكون هذه الآية نزلت قبل ذلك ، ويكون قول 
ابن إسحاق   : " إلى بضع وثمانين آية " ليس بمحفوظ ، لدلالة حديث 
أبي سفيان   . 
الثالث : يحتمل أن قدوم وفد نجران كان قبل الحديبية ، وأن الذي بذلوه مصالحة عن المباهلة لا على وجه الجزية ، بل يكون من باب المهادنة والمصالحة ، ووافق نزول آية الجزية بعد ذلك على وفق ذلك كما جاء فرض الخمس والأربعة الأخماس وفق ما فعله 
عبد الله بن جحش  في تلك السرية قبل بدر ، ثم نزلت فريضة القسم على وفق ذلك . 
الرابع : يحتمل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمر بكتب هذا [ الكلام ] في كتابه إلى 
هرقل  لم يكن أنزل بعد ، ثم نزل القرآن موافقة له كما نزل بموافقة 
 nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب  رضي الله عنه في الحجاب وفي الأسارى ، وفي عدم الصلاة على المنافقين ، وفي قوله : ( 
واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى  ) [ البقرة : 125 ] وفي قوله : ( 
عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن  ) الآية [ التحريم : 5 ] .