( قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين  ( 137 ) 
هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين  ( 138 ) 
ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين  ( 139 ) 
إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين  ( 140 ) ) 
( 
وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين  ( 141 ) 
أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين  ( 142 ) 
ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون  ( 143 ) ) 
يقول تعالى مخاطبا عباده المؤمنين الذين أصيبوا يوم 
أحد  ، وقتل منهم سبعون : ( 
قد خلت من قبلكم سنن  ) أي : قد جرى نحو هذا على الأمم الذين كانوا من قبلكم من أتباع الأنبياء ، ثم كانت العاقبة لهم والدائرة على الكافرين ، ولهذا قال : ( 
فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين  ) . 
ثم قال : ( 
هذا بيان للناس  ) يعني 
القرآن فيه بيان للأمور على جليتها ، وكيف كان الأمم الأقدمون مع أعدائهم ( 
وهدى وموعظة  ) يعني القرآن فيه خبر ما قبلكم و ) هدى ) لقلوبكم و ) موعظة ) أي : زاجر [ عن المحارم والمآثم ] . 
ثم قال مسليا للمؤمنين : ( 
ولا تهنوا  ) أي : لا تضعفوا بسبب ما جرى ( 
ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين  )  
[ ص: 127 ] أي العاقبة والنصرة لكم أيها المؤمنون . 
( 
إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله  ) أي : إن كنتم قد أصابتكم جراح وقتل منكم طائفة ، فقد أصاب أعداءكم قريب من ذلك من قتل وجراح ( 
وتلك الأيام نداولها بين الناس  ) أي : نديل عليكم الأعداء تارة ، وإن كانت العاقبة لكم لما لنا في ذلك من الحكم ، ولهذا قال تعالى : ( 
وليعلم الله الذين آمنوا  ) قال 
ابن عباس   : في مثل هذا لنرى ، أي : من يصبر على مناجزة الأعداء ( 
ويتخذ منكم شهداء  ) يعني : يقتلون في سبيله ، ويبذلون مهجهم في مرضاته . ( 
والله لا يحب الظالمين . وليمحص الله الذين آمنوا  ) أي : يكفر عنهم من ذنوبهم ، إن كان لهم ذنوب وإلا رفع لهم في درجاتهم بحسب ما أصيبوا به ، وقوله : ( 
ويمحق الكافرين  ) أي : فإنهم إذا ظفروا بغوا وبطروا فيكون ذلك سبب دمارهم وهلاكهم ومحقهم وفنائهم . 
ثم قال : ( 
أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين  ) أي : أحسبتم أن تدخلوا الجنة ولم تبتلوا بالقتال والشدائد ، كما قال تعالى في سورة البقرة : ( 
أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا [ حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ]  ) [ البقرة : 214 ] وقال تعالى : ( 
الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين  ) [ العنكبوت : 1 - 3 ] ، ولهذا قال هاهنا : ( 
أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين  ) أي : لا يحصل لكم دخول الجنة حتى تبتلوا ويرى الله منكم المجاهدين في سبيله والصابرين على مقارنة الأعداء . 
وقوله : ( 
ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون  ) أي : قد كنتم - أيها المؤمنون - قبل هذا اليوم تتمنون لقاء العدو وتتحرقون عليهم ، وتودون مناجزتهم ومصابرتهم ، فها قد حصل لكم الذي تمنيتموه وطلبتموه ، فدونكم فقاتلوا وصابروا . 
وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=820926لا تمنوا لقاء العدو ، وسلوا الله العافية ، فإذا لقيتموهم فاصبروا ، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف "  . 
ولهذا قال : ( 
فقد رأيتموه  ) يعني الموت شاهدتموه في لمعان السيوف وحد الأسنة واشتباك الرماح ، وصفوف الرجال للقتال . 
والمتكلمون يعبرون عن هذا بالتخييل ، وهو مشاهدة ما ليس بمحسوس كالمحسوس كما تتخيل الشاة صداقة الكبش وعداوة الذئب .  
[ ص: 128 ]