( 
ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون  ( 131 ) ) ( 
ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون  ( 132 ) ) . 
يقول تعالى : ( 
ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون  ) أي : إنما أعذرنا إلى الثقلين بإرسال الرسل وإنزال الكتب ، لئلا يعاقب أحد بظلمه ، وهو لم تبلغه دعوة ، ولكن أعذرنا إلى الأمم ، وما عذبنا أحدا إلا بعد إرسال الرسل إليهم ، كما قال تعالى : ( 
وإن من أمة إلا خلا فيها نذير  ) [ فاطر : 24 ] ، وقال تعالى : ( 
ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت  ) [ النحل : 36 ] ، وقال تعالى : ( 
وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا  ) [ الإسراء : 15 ] ، وقال تعالى : ( 
كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا  ) [ الملك : 8 ، 9 ] والآيات في هذا كثيرة . 
وقال 
الإمام أبو جعفر بن جرير   : ويحتمل قوله تعالى : ( بظلم ) وجهين : 
أحدهما : ذلك من أجل أن ربك مهلك القرى بظلم أهلها بالشرك ونحوه ، وهم غافلون ، يقول : لم يكن يعاجلهم بالعقوبة حتى يبعث إليهم من ينبههم على حجج الله عليهم ، وينذرهم عذاب الله يوم معادهم ، ولم يكن بالذي يؤاخذهم غفلة فيقولوا : ( 
ما جاءنا من بشير ولا نذير  ) [ المائدة : 19 ] . 
والوجه الثاني : أن ( 
ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم  ) يقول : لم يكن ربك ليهلكهم  
[ ص: 342 ] دون التنبيه والتذكير بالرسل والآيات والعبر ، فيظلمهم بذلك ، والله غير ظلام لعبيده . 
ثم شرع يرجح الوجه الأول ، ولا شك أنه أقوى ، والله أعلم . 
وقال : وقوله : ( ولكل درجات مما عملوا ) أي : ولكل عامل من طاعة الله أو معصيته منازل ومراتب من عمله يبلغه الله إياها ، ويثيبه بها ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر . 
قلت : ويحتمل أن يعود قوله : ( 
ولكل درجات مما عملوا  ) أي من كافري الجن والإنس ، أي : ولكل درجة في النار بحسبه ، كقوله تعالى ( 
قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون  ) [ الأعراف : 38 ] ، وقوله : ( 
الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون  ) [ النحل : 88 ] . 
( 
وما ربك بغافل عما يعملون  ) قال 
ابن جرير   : أي وكل ذلك من عملهم ، يا 
محمد  ، بعلم من ربك ، يحصيها ويثبتها لهم عنده ، ليجازيهم عليها عند لقائهم إياه ومعادهم إليه .