صفحة جزء
( ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين ( 150 ) قال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين )

يخبر تعالى أن موسى ، عليه السلام ، رجع إلى قومه من مناجاة ربه تعالى وهو غضبان أسف .

قال أبو الدرداء " الأسف " : أشد الغضب .

( 151 ) ( قال بئسما خلفتموني من بعدي ) يقول : بئس ما صنعتم في عبادتكم العجل بعد أن ذهبت وتركتكم .

وقوله : ( أعجلتم أمر ربكم ) ؟ يقول : استعجلتم مجيئي إليكم ، وهو مقدر من الله تعالى .

وقوله : ( وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه ) قيل : كانت الألواح من زمرد . وقيل : من [ ص: 477 ] ياقوت . وقيل : من برد وفي هذا دلالة على ما جاء في الحديث : " ليس الخبر كالمعاينة "

ثم ظاهر السياق أنه إنما ألقى الألواح غضبا على قومه ، وهذا قول جمهور العلماء سلفا وخلفا . وروى ابن جرير عن قتادة في هذا قولا غريبا ، لا يصح إسناده إلى حكاية قتادة ، وقد رده ابن عطية وغير واحد من العلماء ، وهو جدير بالرد ، وكأنه تلقاه قتادة عن بعض أهل الكتاب ، وفيهم كذابون ووضاعون وأفاكون وزنادقة .

وقوله : ( وأخذ برأس أخيه يجره إليه ) خوفا أن يكون قد قصر في نهيهم ، كما قال في الآية الأخرى : ( قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن أفعصيت أمري . قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي ) [ طه : 92 - 94 ] وقال هاهنا : ( ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين ) أي : لا تسقني مساقهم ، ولا تخلطني معهم . وإنما قال : ( ابن أم ) ; لتكون أرأف وأنجع عنده ، وإلا فهو شقيقه لأبيه وأمه . فلما تحقق موسى ، عليه السلام ، براءة ساحة هارون عليه السلام كما قال تعالى : ( ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري ) [ طه : 90 ] فعند ذلك قال موسى : ( رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين )

قال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا عفان ، حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم " يرحم الله موسى ، ليس المعاين كالمخبر ; أخبره ربه ، عز وجل ، أن قومه فتنوا بعده ، فلم يلق الألواح ، فلما رآهم وعاينهم ألقى الألواح "

التالي السابق


الخدمات العلمية