( 
ياأيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم  ( 28 ) 
قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون  ( 29 ) ) 
أمر تعالى عباده المؤمنين الطاهرين دينا وذاتا بنفي المشركين الذين هم نجس دينا ، عن 
المسجد  [ ص: 131 ] الحرام  ، وألا يقربوه بعد نزول هذه الآية . وكان نزولها في سنة تسع ؛ ولهذا بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - 
عليا  صحبة 
أبي بكر   - رضي الله عنهما - عامئذ ، وأمره أن ينادي في المشركين : ألا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان . فأتم الله ذلك ، وحكم به شرعا وقدرا . 
وقال 
عبد الرزاق   : أخبرنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  ، أخبرني 
أبو الزبير  ، أنه سمع 
 nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله  يقول في قوله تعالى : ( 
إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا  ) إلا أن يكون عبدا ، أو أحدا من أهل الذمة . 
وقد روي مرفوعا من وجه آخر ، فقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد   : حدثنا 
حسين  حدثنا 
شريك  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12318الأشعث - يعني : ابن سوار -  عن 
الحسن  ، عن 
جابر  قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=821548لا يدخل مسجدنا بعد عامنا هذا مشرك ، إلا أهل العهد وخدمهم  . 
تفرد به 
أحمد  مرفوعا ، والموقوف أصح إسنادا . 
وقال 
الإمام أبو عمرو الأوزاعي   : كتب 
عمر بن عبد العزيز   - رضي الله عنه - : أن امنعوا 
اليهود  والنصارى  من دخول مساجد المسلمين ، وأتبع نهيه قول الله : ( 
إنما المشركون نجس  ) 
وقال 
عطاء   : 
الحرم  كله مسجد ، لقوله تعالى : ( 
فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا  ) . 
ودلت هذه الآية الكريمة على 
نجاسة المشرك كما دلت [ على طهارة المؤمن ، ولما ] ورد في [ الحديث ] الصحيح : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=821549المؤمن لا ينجس وأما نجاسة بدنه فالجمهور على أنه ليس بنجس البدن والذات ؛ لأن الله تعالى أحل طعام أهل الكتاب ، وذهب بعض 
الظاهرية  إلى نجاسة أبدانهم . 
وقال 
أشعث  ، عن 
الحسن   : من صافحهم فليتوضأ . رواه 
ابن جرير   . 
وقوله : ( 
وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله  ) قال 
ابن إسحاق   : وذلك أن الناس قالوا : لتنقطعن عنا الأسواق ، ولتهلكن التجارة وليذهبن ما كنا نصيب فيها من المرافق ، فنزلت ( 
وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله  ) من وجه غير ذلك - ( إن شاء ) إلى قوله : ( 
وهم صاغرون  ) أي : إن هذا عوض ما تخوفتم من قطع تلك الأسواق ، فعوضهم الله بما قطع عنهم من أمر الشرك ، ما أعطاهم من أعناق أهل الكتاب ، من الجزية .  
[ ص: 132 ] وهكذا روي عن 
ابن عباس  ، 
ومجاهد  ، 
وعكرمة  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير  ، 
وقتادة والضحاك  ، وغيرهم . 
( 
إن الله عليم  ) أي : بما يصلحكم ، ( حكيم ) أي : فيما يأمر به وينهى عنه ؛ لأنه الكامل في أفعاله وأقواله ، العادل في خلقه وأمره ، تبارك وتعالى ؛ ولهذا عوضهم عن تلك المكاسب بأموال الجزية التي يأخذونها من أهل الذمة ، فقال : ( 
قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون  ) فهم في نفس الأمر لما كفروا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - لم يبق لهم إيمان صحيح بأحد من الرسل ، ولا بما جاءوا به ، وإنما يتبعون آراءهم وأهواءهم وآباءهم فيما هم فيه ، لا لأنه شرع الله ودينه ؛ لأنهم لو كانوا مؤمنين بما بأيديهم إيمانا صحيحا لقادهم ذلك إلى الإيمان 
بمحمد  ، صلوات الله عليه ، لأن جميع الأنبياء [ الأقدمين ] بشروا به ، وأمروا باتباعه ، فلما جاء وكفروا به - وهو أشرف الرسل - علم أنهم ليسوا متمسكين بشرع الأنبياء الأقدمين لأنه من عند الله ، بل لحظوظهم وأهوائهم ، فلهذا لا ينفعهم إيمانهم ببقية الأنبياء ، وقد كفروا بسيدهم وأفضلهم وخاتمهم وأكملهم ؛ ولهذا قال : ( 
قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب  ) وهذه الآية الكريمة [ نزلت ] أول الأمر بقتال أهل الكتاب ، بعد ما تمهدت أمور المشركين ودخل الناس في دين الله أفواجا ، فلما استقامت جزيرة العرب أمر الله ورسوله بقتال أهل الكتابين اليهود والنصارى ، وكان ذلك في سنة تسع ؛ ولهذا تجهز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقتال الروم ودعا الناس إلى ذلك ، وأظهره لهم ، وبعث إلى أحياء العرب حول المدينة فندبهم ، فأوعبوا معه ، واجتمع من المقاتلة نحو [ من ] ثلاثين ألفا ، وتخلف بعض الناس من 
أهل المدينة  ومن حولها من المنافقين وغيرهم ، وكان ذلك في عام جدب ، ووقت قيظ وحر ، وخرج - عليه السلام - يريد 
الشام  لقتال 
الروم  ، فبلغ 
تبوك  ، فنزل بها وأقام على مائها قريبا من عشرين يوما ، ثم استخار الله في الرجوع ، فرجع عامه ذلك لضيق الحال وضعف الناس ، كما سيأتي بيانه بعد إن شاء الله . 
وقد استدل بهذه الآية الكريمة من يرى أنه لا تؤخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ، أو من أشباههم كالمجوس ، لما صح فيهم الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذها من 
مجوس هجر  ، وهذا مذهب 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  ، 
وأحمد   - في المشهور عنه - وقال 
أبو حنيفة   - رحمه الله - : بل تؤخذ من جميع الأعاجم ، سواء كانوا من أهل الكتاب أو من المشركين ، ولا تؤخذ من العرب إلا من أهل الكتاب . 
وقال 
الإمام مالك   : بل يجوز أن تضرب 
الجزية على جميع الكفار من كتابي ، ومجوسي ، ووثني ،  
[ ص: 133 ] وغير ذلك ، ولمأخذ هذه المذاهب وذكر أدلتها مكان غير هذا ، والله أعلم . 
وقوله : ( 
حتى يعطوا الجزية  ) أي : إن لم يسلموا ، ( 
عن يد  ) أي : عن قهر لهم وغلبة ، ( 
وهم صاغرون  ) أي : ذليلون حقيرون مهانون . فلهذا لا يجوز 
إعزاز أهل الذمة ولا رفعهم على المسلمين ، بل هم أذلاء صغرة أشقياء ، كما جاء في صحيح 
مسلم  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة   - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=821550لا تبدءوا اليهود  والنصارى  بالسلام ، وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه  . 
ولهذا اشترط عليهم 
 nindex.php?page=showalam&ids=2أمير المؤمنين عمر بن الخطاب   - رضي الله عنه - تلك الشروط المعروفة في إذلالهم وتصغيرهم وتحقيرهم ، وذلك مما رواه الأئمة الحفاظ ، من رواية 
 nindex.php?page=showalam&ids=16345عبد الرحمن بن غنم الأشعري  قال : كتبت 
 nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر بن الخطاب   - رضي الله عنه - حين صالح نصارى من 
أهل الشام   : 
بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب لعبد الله 
عمر أمير المؤمنين  من نصارى مدينة كذا وكذا ، إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا وشرطنا لكم على أنفسنا ألا نحدث في مدينتنا ولا فيما حولها ديرا ولا كنيسة ، ولا قلاية ولا صومعة راهب ، ولا نجدد ما خرب منها ، ولا نحيي منها ما كان خطط المسلمين ، وألا نمنع كنائسنا أن ينزلها أحد من المسلمين في ليل ولا نهار ، وأن نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل ، وأن ينزل من مر بنا من المسلمين ثلاثة أيام نطعمهم ، ولا نئوي في كنائسنا ولا منازلنا جاسوسا ، ولا نكتم غشا للمسلمين ، ولا نعلم أولادنا القرآن ، ولا نظهر شركا ، ولا ندعو إليه أحدا ؛ ولا نمنع أحدا من ذوي قرابتنا الدخول في الإسلام إن أرادوه ، وأن نوقر المسلمين ، وأن نقوم لهم من مجالسنا إن أرادوا الجلوس ، ولا نتشبه بهم في شيء من ملابسهم ، في قلنسوة ، ولا عمامة ، ولا نعلين ، ولا فرق شعر ، ولا نتكلم بكلامهم ، ولا نكتني بكناهم ، ولا نركب السروج ، ولا نتقلد السيوف ، ولا نتخذ شيئا من السلاح ، ولا نحمله معنا ، ولا ننقش خواتيمنا بالعربية ، ولا نبيع الخمور ، وأن نجز مقاديم رءوسنا ، وأن نلزم زينا حيثما كنا ، وأن نشد الزنانير على أوساطنا ، وألا نظهر الصليب على كنائسنا ، وألا نظهر صلبنا ولا كتبنا في شيء من طرق المسلمين ولا أسواقهم ، ولا نضرب نواقيسنا في كنائسنا إلا ضربا خفيا ، وألا نرفع أصواتنا بالقراءة في كنائسنا في شيء من حضرة المسلمين ، ولا نخرج شعانين ولا باعوثا ، ولا نرفع أصواتنا مع موتانا ، ولا نظهر النيران معهم في شيء من طرق المسلمين ولا أسواقهم ، ولا نجاورهم بموتانا ، ولا نتخذ من الرقيق ما جرى عليه سهام المسلمين ، وأن نرشد المسلمين ، ولا نطلع عليهم في منازلهم .  
[ ص: 134 ] قال : فلما أتيت 
عمر  بالكتاب ، زاد فيه : ولا نضرب أحدا من المسلمين ، شرطنا لكم ذلك على أنفسنا وأهل ملتنا ، وقبلنا عليه الأمان ، فإن نحن خالفنا في شيء مما شرطناه لكم ووظفنا على أنفسنا ، فلا ذمة لنا ، وقد حل لكم منا ما يحل من أهل المعاندة والشقاق .