( 
وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون  ( 122 ) ) 
هذا بيان من الله تعالى لما أراد من نفير الأحياء مع الرسول في غزوة تبوك ، فإنه قد ذهب طائفة من السلف إلى أنه كان يجب النفير على كل مسلم إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ولهذا قال تعالى : ( 
انفروا خفافا وثقالا  ) [ التوبة : 41 ] ، وقال : ( 
ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله  ) [ التوبة : 120 ] ، قالوا : فنسخ ذلك بهذه الآية .  
[ ص: 236 ] 
وقد يقال : إن هذا بيان لمراده تعالى من نفير الأحياء كلها ، وشرذمة من كل قبيلة إن لم يخرجوا كلهم ، ليتفقه الخارجون مع الرسول بما ينزل من الوحي عليه ، وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم بما كان من أمر العدو ، فيجتمع لهم الأمران في هذا : النفير المعين وبعده ، صلوات الله وسلامه عليه ، تكون الطائفة النافرة من الحي إما للتفقه وإما للجهاد ؛ فإنه فرض كفاية على الأحياء . 
وقال 
علي بن أبي طلحة  ، عن 
ابن عباس   : ( 
وما كان المؤمنون لينفروا كافة  ) يقول : ما كان المؤمنون لينفروا جميعا ويتركوا النبي صلى الله عليه وسلم وحده ، ( 
فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة  ) يعني : عصبة ، يعني : السرايا ، ولا يتسروا إلا بإذنه ، فإذا رجعت السرايا وقد نزل بعدهم قرآن تعلمه القاعدون من النبي صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : إن الله قد أنزل على نبيكم قرآنا ، وقد تعلمناه . فتمكث السرايا يتعلمون ما أنزل الله على نبيهم بعدهم ، ويبعث سرايا أخرى ، فذلك قوله : ( 
ليتفقهوا في الدين  ) يقول : ليتعلموا ما أنزل الله على نبيهم ، وليعلموا السرايا إذا رجعت إليهم ( 
لعلهم يحذرون  ) . 
وقال 
مجاهد   : نزلت هذه الآية في أناس من أصحاب 
محمد  صلى الله عليه وسلم ، خرجوا في البوادي ، فأصابوا من الناس معروفا ، ومن الخصب ما ينتفعون به ، ودعوا من وجدوا من الناس إلى الهدى ، فقال الناس لهم : ما نراكم إلا وقد تركتم أصحابكم وجئتمونا . فوجدوا في أنفسهم من ذلك تحرجا ، وأقبلوا من البادية كلهم حتى دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال الله ، عز وجل : ( 
فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة  ) يبتغون الخير ، ( 
ليتفقهوا [ في الدين ]  ) وليستمعوا ما في الناس ، وما أنزل الله بعدهم ، ( 
ولينذروا قومهم  ) الناس كلهم ( 
إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون  ) . 
وقال 
قتادة  في هذه الآية : هذا إذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيوش ، أمرهم الله ألا يعروا نبيه صلى الله عليه وسلم ، وتقيم طائفة مع رسول الله تتفقه في الدين ، وتنطلق طائفة تدعو قومها ، وتحذرهم وقائع الله فيمن خلا قبلهم . 
وقال 
الضحاك   : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا بنفسه لم يحل لأحد من المسلمين أن يتخلف عنه ، إلا أهل الأعذار . وكان إذا أقام فاسترت السرايا لم يحل لهم أن ينطلقوا إلا بإذنه ، فكان الرجل إذا استرى فنزل بعده قرآن ، تلاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه القاعدين معه ، فإذا رجعت السرية قال لهم الذين أقاموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله أنزل بعدكم على نبيه قرآنا . فيقرئونهم ويفقهونهم في الدين ، وهو قوله : ( 
وما كان المؤمنون لينفروا كافة  ) يقول إذا أقام رسول الله ( 
فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة  ) يعني بذلك : أنه لا ينبغي للمسلمين أن ينفروا جميعا ونبي الله صلى الله عليه وسلم قاعد ، ولكن إذا قعد نبي الله تسرت السرايا ، وقعد معه عظم الناس  .  
[ ص: 237 ] 
وقال 
 [ علي ] بن أبي طلحة  أيضا عن 
ابن عباس   : قوله : ( 
وما كان المؤمنون لينفروا كافة  ) فإنها ليست في الجهاد ، ولكن لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على 
مضر  بالسنين أجدبت بلادهم ، وكانت القبيلة منهم تقبل بأسرها حتى يحلوا 
بالمدينة  من الجهد ، ويعتلوا بالإسلام وهم كاذبون . فضيقوا على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأجهدوهم . فأنزل الله يخبر رسوله أنهم ليسوا مؤمنين ، فردهم رسول الله إلى عشائرهم ، وحذر قومهم أن يفعلوا فعلهم ، فذلك قوله : ( 
ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون  ) . 
وقال 
العوفي  ، عن 
ابن عباس  في هذه الآية : كان ينطلق من كل حي من العرب عصابة ، فيأتون النبي صلى الله عليه وسلم . فيسألونه عما يريدون من أمر دينهم ، ويتفقهون في دينهم ، ويقولون لنبي الله : ما تأمرنا أن نفعله ؟ وأخبرنا [ ما نقول ] لعشائرنا إذا قدمنا انطلقنا إليهم . قال : فيأمرهم نبي الله بطاعة الله وطاعة رسوله ، ويبعثهم إلى قومهم بالصلاة والزكاة . وكانوا إذا أتوا قومهم نادوا : إن من أسلم فهو منا ، وينذرونهم ، حتى إن الرجل ليفارق أباه وأمه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرهم وينذرهم قومهم ، فإذا رجعوا إليهم يدعونهم إلى الإسلام وينذرونهم النار ويبشرونهم بالجنة . 
وقال 
عكرمة   : لما نزلت هذه الآية : [ الشريفة ] ( 
إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما  ) [ التوبة : 39 ] ، و ( 
ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا [ عن رسول الله ]  ) [ التوبة : 120 ] ، قال المنافقون : هلك أصحاب البدو الذين تخلفوا عن محمد ولم ينفروا معه . وقد كان ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرجوا إلى البدو إلى قومهم يفقهونهم ، فأنزل الله ، عز وجل : ( 
وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة  ) الآية ، ونزلت : ( 
والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له  ) الآية [ الشورى : 16 ] . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري   : ( 
فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين  ) قال : ليتفقه الذين خرجوا ، بما يردهم الله من الظهور على المشركين ، والنصرة ، وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم .