صفحة جزء
[ ص: 479 ] ( وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ( 6 ) وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ( 7 ) وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد ( 8 ) )

يقول تعالى مخبرا عن موسى ، حين ذكر قومه بأيام الله عندهم ونعمه عليهم ، إذ أنجاهم من آل فرعون ، وما كانوا يسومونهم به من العذاب والإذلال ، حين كانوا يذبحون من وجد من أبنائهم ، ويتركون إناثهم فأنقذ الله بني إسرائيل من ذلك ، وهذه نعمة عظيمة; ولهذا قال : ( وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ) أي : نعمة عظيمة منه عليكم في ذلك ، أنتم عاجزون عن القيام بشكرها .

وقيل : وفيما كان يصنعه بكم قوم فرعون من تلك الأفاعيل ) بلاء ) أي : اختبار عظيم . ويحتمل أن يكون المراد هذا وهذا ، والله أعلم ، كما قال تعالى : ( وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون ) [ الأعراف : 168 ] .

وقوله : ( وإذ تأذن ربكم ) أي : آذنكم وأعلمكم بوعده لكم . ويحتمل أن يكون المعنى : وإذ أقسم ربكم وآلى بعزته وجلاله وكبريائه كما قال : ( وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة [ من يسومهم سوء العذاب ] ) [ الأعراف : 167 ] .

وقوله ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) أي : لئن شكرتم نعمتي عليكم لأزيدنكم منها ، ( ولئن كفرتم ) أي : كفرتم النعم وسترتموها وجحدتموها ، ( إن عذابي لشديد ) وذلك بسلبها عنهم ، وعقابه إياهم على كفرها .

وقد جاء في الحديث : " إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه " .

وفي المسند : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر به سائل فأعطاه تمرة ، فتسخطها ولم يقبلها ، ثم مر به آخر فأعطاه إياها ، فقبلها وقال : تمرة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر له بأربعين درهما أو كما قال .

قال الإمام أحمد : حدثنا أسود ، حدثنا عمارة الصيدلاني ، عن ثابت ، عن أنس قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم سائل فأمر له بتمرة فلم يأخذها - أو : وحش بها - قال : وأتاه آخر فأمر له بتمرة ، فقال : سبحان الله! تمرة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال للجارية : " اذهبي إلى أم سلمة ، فأعطيه الأربعين درهما التي [ ص: 480 ] عندها " .

تفرد به الإمام أحمد .

وعمارة بن زاذان وثقه ابن حبان ، وأحمد ، ويعقوب بن سفيان وقال ابن معين : صالح . وقال أبو زرعة : لا بأس به . وقال أبو حاتم : يكتب حديثا ولا يحتج به ، ليس بالمتين . وقال البخاري : ربما يضطرب في حديثه . وعن أحمد أيضا أنه قال : روي عنه أحاديث منكرة . وقال أبو داود : ليس بذاك . وضعفه الدارقطني ، وقال ابن عدي : لا بأس به ممن يكتب حديثه .

وقوله تعالى : ( وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد ) أي : هو غني عن شكر عباده ، وهو الحميد المحمود ، وإن كفره من كفره ، كما قال : ( إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ) [ الزمر : 7 ] وقال تعالى : ( فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد ) [ التغابن : 6 ] .

وفي صحيح مسلم ، عن أبي ذر ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه ، عز وجل ، أنه قال : " يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم وجنكم ، كانوا على أتقى قلب رجل منكم ، ما زاد ذلك في ملكي شيئا . يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم وجنكم ، كانوا على أفجر قلب رجل منكم ، ما نقص ذلك في ملكي شيئا . يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم وجنكم ، قاموا في صعيد واحد ، فسألوني ، فأعطيت كل إنسان مسألته ، ما نقص ذلك من ملكي شيئا ، إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل في البحر " . فسبحانه وتعالى الغني الحميد .

التالي السابق


الخدمات العلمية