صفحة جزء
( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ( 24 ) تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ( 25 ) ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار ( 26 ) )

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : ( مثلا كلمة طيبة ) شهادة أن لا إله إلا الله ، ( كشجرة طيبة ) وهو المؤمن ، ( أصلها ثابت ) يقول : لا إله إلا الله في قلب المؤمن ، ( وفرعها في السماء ) يقول : يرفع بها عمل المؤمن إلى السماء .

وهكذا قال الضحاك ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة وقتادة وغير واحد : إن ذلك عبارة عن المؤمن ، وقوله الطيب ، وعمله الصالح ، وإن المؤمن كالشجرة من النخل ، لا يزال يرفع له عمل صالح في كل حين ووقت ، وصباح ومساء .

وهكذا رواه السدي ، عن مرة ، عن ابن مسعود قال : هي النخلة .

وشعبة ، عن معاوية بن قرة ، عن أنس : هي النخلة .

[ ص: 492 ] وحماد بن سلمة ، عن شعيب بن الحبحاب ، عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بقناع بسر فقال : " ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة " قال : " هي النخلة " .

وروي من هذا الوجه ومن غيره ، عن أنس موقوفا وكذا نص عليه مسروق ، ومجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، والضحاك ، وقتادة وغيرهم .

وقال البخاري : حدثنا عبيد بن إسماعيل ، عن أبي أسامة ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أخبروني عن شجرة تشبه - أو : كالرجل - المسلم ، لا يتحات ورقها [ ولا ولا ولا ] تؤتي أكلها كل حين " . قال ابن عمر : فوقع في نفسي أنها النخلة ، ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان ، فكرهت أن أتكلم ، فلما لم يقولوا شيئا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هي النخلة " . فلما قمنا قلت لعمر : يا أبتا ، والله لقد كان وقع في نفسي أنها النخلة . قال : ما منعك أن تكلم ؟ قال : لم أركم تتكلمون ، فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئا . قال عمر : لأن تكون قلتها أحب إلي من كذا وكذا .

وقال أحمد : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : صحبت ابن عمر إلى المدينة ، فلم أسمعه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حديثا واحدا - قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى بجمار . فقال : " من الشجر شجرة مثلها مثل الرجل المسلم " . فأردت أن أقول : هي النخلة ، فنظرت فإذا أنا أصغر القوم ، [ فسكت ] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هي النخلة " أخرجاه .

وقال مالك وعبد العزيز ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما لأصحابه : " إن من الشجر شجرة لا يطرح ورقها ، مثل المؤمن " . قال : فوقع الناس في شجر البوادي ، ووقع في قلبي أنها النخلة [ فاستحييت ، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هي النخلة ] " أخرجاه أيضا .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا أبان - يعني ابن زيد العطار - حدثنا قتادة : أن رجلا قال : يا رسول الله ، ذهب أهل الدثور بالأجور! فقال : " أرأيت لو عمد إلى متاع [ ص: 493 ] الدنيا ، فركب بعضها على بعض أكان يبلغ السماء ؟ أفلا أخبرك بعمل أصله في الأرض وفرعه في السماء ؟ " . قال : ما هو يا رسول الله ؟ قال : " تقول : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله " ، عشر مرات في دبر كل صلاة ، فذاك أصله في الأرض وفرعه في السماء " .

وعن ابن عباس ( كشجرة طيبة ) قال : هي شجرة في الجنة .

وقوله : ( تؤتي‌‌‌‌‌‌‌‌ ‌‌‌‌أكلها كل‌‌‌ حين ) قيل : غدوة وعشيا . وقيل : كل شهر . وقيل : كل شهرين .

وقيل : كل ستة أشهر . وقيل : كل سبعة أشهر . وقيل : كل سنة .

والظاهر من السياق : أن المؤمن مثله كمثل شجرة ، لا يزال يوجد منها ثمر في كل وقت من صيف أو شتاء ، أو ليل أو نهار ، كذلك المؤمن لا يزال يرفع له عمل صالح آناء الليل وأطراف النهار في كل وقت وحين .

( بإذن ربها ) أي : كاملا حسنا كثيرا طيبا ، ( ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون )

وقوله : ( ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة ) هذا مثل كفر الكافر ، لا أصل له ولا ثبات ، وشبه بشجرة الحنظل ، ويقال لها : " الشريان " . [ رواه شعبة ، عن معاوية بن قرة ، عن أنس بن مالك : أنها شجرة الحنظل ] .

وقال أبو بكر البزار الحافظ : حدثنا يحيى بن محمد بن السكن ، حدثنا أبو زيد سعيد بن الربيع ، حدثنا شعبة ، عن معاوية بن قرة ، عن أنس - أحسبه رفعه - قال : " مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة " ، قال : هي النخلة ، ( ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة ) قال : هي الشريان .

ثم رواه عن محمد بن المثنى ، عن غندر ، عن شعبة ، عن معاوية ، عن أنس موقوفا .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد - هو ابن سلمة - عن شعيب بن الحبحاب عن أنس بن مالك ; أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة " هي الحنظلة " . فأخبرت بذلك أبا العالية فقال : هكذا كنا نسمع .

ورواه ابن جرير ، من حديث حماد بن سلمة ، به ورواه أبو يعلى في مسنده بأبسط من هذا فقال :

[ ص: 494 ] حدثنا غسان ، عن حماد ، عن شعيب ، عن أنس ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بقناع عليه بسر ، فقال : ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة ، أصلها ثابت وفرعها في السماء . تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها فقال : " هي النخلة " ( ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار ) قال : " هي الحنظل " قال شعيب : فأخبرت بذلك أبا العالية فقال : كذلك كنا نسمع .

وقوله : ( اجتثت ) أي : استؤصلت ( من فوق الأرض ما لها من قرار ) أي : لا أصل لها ولا ثبات ، كذلك الكفر لا أصل له ولا فرع ، ولا يصعد للكافر عمل ، ولا يتقبل منه شيء .

التالي السابق


الخدمات العلمية