[ ص: 284 ]  ( 
إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون  ( 62 ) ) 
لما بين [ الله ] تعالى حال من خالف أوامره وارتكب زواجره ، وتعدى في فعل ما لا إذن فيه وانتهك المحارم ، وما أحل بهم من النكال ، نبه تعالى على أن من أحسن من الأمم السالفة وأطاع ، فإن له جزاء الحسنى ، وكذلك الأمر إلى قيام الساعة ؛ كل من اتبع الرسول النبي الأمي فله السعادة الأبدية ، ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه ، ولا هم يحزنون على ما يتركونه ويخلفونه ، كما قال تعالى : ( 
ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون  ) [ يونس : 62 ] وكما تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار في قوله : ( 
إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون  ) [ فصلت : 30 ] . 
قال 
ابن أبي حاتم   : حدثنا أبي ، حدثنا 
ابن أبي عمر العدني  ، حدثنا 
سفيان  ، عن 
ابن أبي نجيح  ، عن 
مجاهد  ، قال : قال 
سلمان   : 
سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل دين كنت معهم ، فذكرت من صلاتهم وعبادتهم ، فنزلت : ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر ) إلى آخر الآية . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي   : ( 
إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا  ) الآية : نزلت في أصحاب 
سلمان الفارسي  ، بينا هو يحدث النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذكر أصحابه ، فأخبره خبرهم ، فقال : كانوا يصومون ويصلون ويؤمنون بك ، ويشهدون أنك ستبعث نبيا ، فلما فرغ 
سلمان  من ثنائه عليهم ، قال له نبي الله صلى الله عليه وسلم : يا 
سلمان  ، هم من أهل النار . فاشتد ذلك على 
سلمان  ، فأنزل الله هذه الآية ، فكان إيمان 
اليهود   : أنه من تمسك بالتوراة وسنة 
موسى  ، عليه السلام ؛ حتى جاء 
عيسى   . فلما جاء 
عيسى  كان من تمسك بالتوراة وأخذ بسنة 
موسى  ، فلم يدعها ولم يتبع 
عيسى  ، كان هالكا . وإيمان 
النصارى  أن من تمسك بالإنجيل منهم وشرائع 
عيسى  كان مؤمنا مقبولا منه حتى جاء 
محمد  صلى الله عليه وسلم ، فمن لم يتبع 
محمدا  صلى الله عليه وسلم منهم ويدع ما كان عليه من سنة 
عيسى  والإنجيل - كان هالكا . 
وقال 
ابن أبي حاتم   : وروي عن 
سعيد بن جبير  نحو هذا . 
قلت : وهذا لا ينافي ما روى 
علي بن أبي طلحة  ، عن 
ابن عباس   : ( 
إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر  ) الآية فأنزل الله بعد ذلك : ( 
ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين  ) [ آل عمران : 85 ] .  
[ ص: 285 ] 
فإن هذا الذي قاله [ 
ابن عباس   ] إخبار عن أنه لا يقبل من أحد طريقة ولا عملا إلا ما كان موافقا لشريعة 
محمد  صلى الله عليه وسلم بعد أن بعثه [ الله ] بما بعثه به ، فأما قبل ذلك فكل من اتبع الرسول في زمانه فهو على هدى وسبيل ونجاة ، 
فاليهود  أتباع 
موسى  ، عليه السلام ، الذين كانوا يتحاكمون إلى التوراة في زمانهم . 
واليهود  من الهوادة وهي المودة أو التهود وهي التوبة ؛ كقول 
موسى  ، عليه السلام : ( 
إنا هدنا إليك  ) [ الأعراف : 156 ] أي : تبنا ، فكأنهم سموا بذلك في الأصل لتوبتهم ومودتهم في بعضهم لبعض . 
[ وقيل : لنسبتهم إلى يهوذا أكبر أولاد 
يعقوب  عليه السلام ، وقال 
أبو عمرو بن العلاء   : لأنهم يتهودون ، أي : يتحركون عند قراءة التوراة ] . 
فلما بعث 
عيسى  صلى الله عليه وسلم وجب على 
بني إسرائيل  اتباعه والانقياد له ، فأصحابه وأهل دينه هم 
النصارى  ، وسموا بذلك لتناصرهم فيما بينهم ، وقد يقال لهم : أنصار أيضا ، كما قال 
عيسى  ، عليه السلام : ( 
من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله  ) [ آل عمران : 52 ] وقيل : إنهم إنما سموا بذلك من أجل أنهم نزلوا أرضا يقال لها ناصرة ، قاله 
قتادة   nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج  ، وروي عن 
ابن عباس  أيضا ، والله أعلم . 
والنصارى   : جمع نصران كنشاوى جمع نشوان ، وسكارى جمع سكران ، ويقال للمرأة : نصرانة ، قال الشاعر : 
نصرانة لم تحنف 
فلما بعث الله 
محمدا  صلى الله عليه وسلم خاتما للنبيين ، ورسولا إلى بني آدم على الإطلاق ، وجب عليهم تصديقه فيما أخبر ، وطاعته فيما أمر ، والانكفاف عما عنه زجر . وهؤلاء هم المؤمنون [ حقا ] . 
وسميت أمة محمد  صلى الله عليه وسلم مؤمنين لكثرة إيمانهم وشدة إيقانهم ، ولأنهم يؤمنون بجميع الأنبياء الماضية والغيوب الآتية . وأما 
الصابئون  فقد اختلف فيهم ؛ فقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري  ، عن 
ليث بن أبي سليم  ، عن  
[ ص: 286 ] مجاهد  ، قال : 
الصابئون  قوم بين 
المجوس  واليهود  والنصارى  ، ليس لهم دين . وكذا رواه 
ابن أبي نجيح  ، عنه وروي عن 
عطاء   nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير  نحو ذلك . 
وقال 
أبو العالية   nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=11867وأبو الشعثاء جابر بن زيد  ، 
والضحاك   [ 
 nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه   ] 
الصابئون  فرقة من أهل الكتاب يقرؤون الزبور . 
[ ولهذا قال 
أبو حنيفة  وإسحاق   : لا بأس بذبائحهم ومناكحتهم ] . 
وقال 
هشيم  عن 
مطرف   : كنا عند 
 nindex.php?page=showalam&ids=14152الحكم بن عتيبة  فحدثه رجل من أهل 
البصرة  عن 
الحسن  أنه كان يقول في 
الصابئين   : إنهم كالمجوس ، فقال 
الحكم   : ألم أخبركم بذلك . 
وقال 
عبد الرحمن بن مهدي  ، عن 
معاوية بن عبد الكريم   : سمعت 
الحسن  ذكر 
الصابئين  ، فقال : هم قوم يعبدون الملائكة . 
[ وقال 
ابن جرير   : حدثنا 
محمد بن عبد الأعلى  ، حدثنا 
المعتمر بن سليمان  عن أبيه ، عن 
الحسن  قال : أخبر 
زياد  أن 
الصابئين  يصلون إلى القبلة ويصلون الخمس . قال : فأراد أن يضع عنهم الجزية . قال : فخبر بعد أنهم يعبدون الملائكة ] . 
وقال 
أبو جعفر الرازي   : بلغني أن 
الصابئين  قوم يعبدون الملائكة ، ويقرؤون الزبور ، ويصلون إلى القبلة . 
وكذا قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12514سعيد بن أبي عروبة  ، عن 
قتادة   . 
وقال 
ابن أبي حاتم   : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى  ، أخبرنا 
ابن وهب  ، أخبرني 
ابن أبي الزناد  ، عن أبيه ، قال : 
الصابئون  قوم مما يلي 
العراق  ، وهم 
بكوثى  ، وهم يؤمنون بالنبيين كلهم ، ويصومون من كل سنة ثلاثين يوما ويصلون إلى 
اليمن  كل يوم خمس صلوات . 
وسئل 
 nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه  عن 
الصابئين  ، فقال : الذي يعرف الله وحده ، وليست له شريعة يعمل بها ولم يحدث كفرا . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=16472عبد الله بن وهب   : قال 
عبد الرحمن بن زيد   : 
الصابئون  أهل دين من الأديان ، كانوا 
بجزيرة الموصل  يقولون : لا إله إلا الله ، وليس لهم عمل ولا كتاب ولا نبي إلا قول : لا إله إلا الله ، قال : ولم يؤمنوا برسول ، فمن أجل ذلك كان المشركون يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه : هؤلاء 
الصابئون  ، يشبهونهم بهم ، يعني في قول : لا إله إلا الله . 
وقال 
الخليل  هم قوم يشبه دينهم دين 
النصارى  ، إلا أن قبلتهم نحو 
مهب الجنوب  ، يزعمون  
[ ص: 287 ] أنهم على دين 
نوح  ، عليه السلام . وحكى 
القرطبي  عن 
مجاهد  والحسن   nindex.php?page=showalam&ids=16406وابن أبي نجيح   : أنهم قوم تركب دينهم بين 
اليهود  والمجوس  ، ولا تؤكل ذبائحهم ، قال 
ابن عباس   : ولا تنكح نساؤهم . قال 
القرطبي   : والذي تحصل من مذهبهم فيما ذكره بعض العلماء أنهم موحدون ويعتقدون تأثير النجوم ، وأنها فاعلة ؛ ولهذا أفتى 
أبو سعيد الإصطخري  بكفرهم للقادر بالله حين سأله عنهم ، واختار 
فخر الدين الرازي  أن 
الصابئين  قوم يعبدون الكواكب ؛ بمعنى أن الله جعلها قبلة للعبادة والدعاء ، أو بمعنى أن الله فوض تدبير أمر هذا العالم إليها ، قال : وهذا القول هو المنسوب إلى 
الكشرانيين  الذين جاءهم 
إبراهيم الخليل  ، عليه السلام ، رادا عليهم ومبطلا لقولهم . 
وأظهر الأقوال ، والله أعلم ، قول 
مجاهد  ومتابعيه ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=17285ووهب بن منبه   : أنهم قوم ليسوا على دين 
اليهود  ولا 
النصارى  ولا 
المجوس  ولا 
المشركين  ، وإنما هم قوم باقون على فطرتهم ولا دين مقرر لهم يتبعونه ويقتفونه ؛ ولهذا كان المشركون ينبزون من أسلم بالصابئي ، أي : أنه قد خرج عن سائر أديان أهل الأرض إذ ذاك . 
وقال بعض العلماء : 
الصابئون  الذين لم تبلغهم دعوة نبي ، والله أعلم .