القول في تأويل قوله ( 
وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها  ) 
قال 
أبو جعفر   : يعني بقوله جل ثناؤه " 
وكنتم على شفا حفرة من النار  " ، وكنتم ، يا معشر المؤمنين ، من 
الأوس  والخزرج ،  على حرف حفرة من النار . وإنما ذلك مثل لكفرهم الذي كانوا عليه قبل أن يهديهم الله للإسلام . يقول تعالى ذكره : وكنتم على طرف جهنم بكفركم الذي كنتم عليه قبل أن ينعم الله عليكم بالإسلام ، فتصيروا بائتلافكم عليه إخوانا ، ليس بينكم وبين الوقوع فيها إلا أن تموتوا على ذلك من كفركم ، فتكونوا من الخالدين فيها ، فأنقذكم الله منها بالإيمان الذي هداكم له . 
و"شفا الحفرة" ، طرفها وحرفها ، مثل "شفا الركية والبئر "; ومنه قول الراجز : 
نحن حفرنا للحجيج سجله نابتة فوق شفاها بقله  
[ ص: 86 ] 
يعني : فوق حرفها . يقال : "هذا شفا هذه الركية " مقصور "وهما شفواها " 
وقال : " 
فأنقذكم منها  " ، يعني فأنقذكم من الحفرة ، فرد الخبر إلى "الحفرة " ، وقد ابتدأ الخبر عن "الشفا " ، لأن "الشفا " من "الحفرة " . فجاز ذلك ، إذ كان الخبر عن "الشفا " على السبيل التي ذكرها في هذه الآية خبرا عن "الحفرة " ، كما قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=15626جرير بن عطية   : 
    رأت مر السنين أخذن مني 
كما أخذ السرار من الهلال  
[ ص: 87 ] 
فذكر : "مر السنين " ، ثم رجع إلى الخبر عن "السنين " ، وكما قال 
العجاج   : 
    طول الليالي أسرعت في نقضي 
طوين طولي وطوين عرضي 
وقد بينت العلة التي من أجلها قيل ذلك كذلك فيما مضى قبل . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك من التأويل ، قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
7591 - حدثنا 
بشر  قال : حدثنا 
يزيد  قال : حدثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة ،  قوله : " 
وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته  " ، كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلا وأشقاه عيشا ، وأبينه ضلالة ، وأعراه  
[ ص: 88 ] جلودا ، وأجوعه بطونا ، مكعومين على رأس حجر بين الأسدين 
فارس  والروم ،  لا والله ما في بلادهم يومئذ من شيء يحسدون عليه . من عاش منهم عاش شقيا ، ومن مات ردي في النار ، يؤكلون ولا يأكلون ، والله ما نعلم قبيلا يومئذ من حاضر الأرض ، كانوا فيها أصغر حظا ، وأدق فيها شأنا منهم ، حتى جاء الله عز وجل بالإسلام ، فورثكم به الكتاب ، وأحل لكم به دار الجهاد ، ووضع لكم به من الرزق ، وجعلكم به ملوكا على رقاب الناس . وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم ، فاشكروا نعمه ، فإن ربكم منعم يحب الشاكرين ، وإن أهل الشكر في مزيد الله ، فتعالى ربنا وتبارك  . 
7592 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
إسحاق  قال : حدثنا 
عبد الله بن أبي جعفر ،  عن أبيه ، عن 
الربيع بن أنس ،  قوله : " 
وكنتم على شفا حفرة من النار  " ، يقول : كنتم على الكفر بالله ، " 
فأنقذكم منها  " ، من ذلك ، وهداكم إلى الإسلام  . 
7593 - حدثنا 
محمد بن الحسين  قال : حدثنا 
أحمد بن المفضل  قال : حدثنا 
أسباط ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي   : " 
وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها  " ، 
بمحمد  صلى الله عليه وسلم يقول : كنتم على طرف النار ، من مات منكم أوبق في النار ، فبعث الله 
محمدا  صلى الله عليه وسلم فاستنقذكم به من تلك الحفرة  .  
[ ص: 89 ] 
7594 - حدثنا 
محمد بن الحسين  قال : حدثنا 
أحمد بن المفضل  قال : حدثنا 
حسن بن حي   : " 
وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها  " قال : عصبية  .