القول في تأويل قوله ( 
ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس  ) 
قال 
أبو جعفر   : يعني بقوله جل ثناؤه " 
ضربت عليهم الذلة  " ، ألزموا الذلة . و"الذلة " "الفعلة " من "الذل " ، وقد بينا ذلك بشواهده في غير هذا الموضع . 
"أينما ثقفوا " يعني : حيثما لقوا . 
يقول جل ثناؤه : 
ألزم اليهود المكذبون بمحمد صلى الله عليه وسلم الذلة أينما كانوا من الأرض ، وبأي مكان كانوا من بقاعها ، من بلاد المسلمين والمشركين " 
إلا بحبل من الله وحبل من الناس  " ، كما : - 
7630 - حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار  قال : حدثنا 
هوذة  قال : حدثنا 
عوف ،  عن  
[ ص: 111 ] الحسن  في قوله : " 
ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة  " ، قال : أدركتهم هذه الأمة ، وإن المجوس لتجبيهم الجزية  . 
7631 - حدثني 
محمد بن سنان  قال : حدثنا 
أبو بكر الحنفي  قال : حدثنا 
عباد ،  عن 
الحسن  في قوله : " 
ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس  " ، قال : أذلهم الله فلا منعة لهم ، وجعلهم الله تحت أقدام المسلمين  . 
وأما "الحبل " الذي ذكره الله في هذا الموضع ، فإنه السبب الذي يأمنون به على أنفسهم من المؤمنين وعلى أموالهم وذراريهم ، من عهد وأمان تقدم لهم عقده قبل أن يثقفوا في بلاد الإسلام . كما : - 
7632 - حدثني 
محمد بن عمرو  قال : حدثنا 
أبو عاصم ،  عن 
عيسى ،  عن 
ابن أبي نجيح ،  عن 
مجاهد  في قوله : " 
إلا بحبل من الله  " ، قال : بعهد " 
وحبل من الناس  " ، قال : بعهدهم  . 
7633 - حدثنا 
بشر  قال : حدثنا 
يزيد  قال : حدثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة   : " 
ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس  " ، يقول : إلا بعهد من الله وعهد من الناس  . 
7634 - حدثنا 
الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا 
عبد الرزاق  قال : أخبرنا 
معمر ،  عن 
قتادة ،  مثله . 
7635 - حدثنا 
حميد بن مسعدة  قال : حدثنا 
يزيد ،  عن 
عثمان بن غياث ،  قال : 
عكرمة   : يقول : " 
إلا بحبل من الله وحبل من الناس  " ، قال : بعهد من الله ، وعهد من الناس  .  
[ ص: 112 ] 
7636 - حدثنا 
محمد  قال : حدثنا 
أحمد  قال : حدثنا 
أسباط ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي   : " 
إلا بحبل من الله وحبل من الناس  " ، يقول : إلا بعهد من الله وعهد من الناس  . 
7637 - حدثت عن 
عمار  قال : حدثنا 
ابن أبي جعفر ،  عن أبيه ، عن 
الربيع ،  قوله : " 
إلا بحبل من الله وحبل من الناس  " ، يقول : إلا بعهد من الله وعهد من الناس  . 
7638 - حدثني 
محمد بن سعد  قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن 
ابن عباس ،  قوله : " 
أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس  " ، فهو عهد من الله وعهد من الناس ، كما يقول الرجل : "ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم " ، فهو الميثاق  . 
7639 - حدثنا 
القاسم  قال : حدثنا 
الحسين  قال : حدثني 
حجاج ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  قال : قال 
مجاهد   : " 
أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس  " ، قال : بعهد من الله وعهد من الناس لهم قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،  وقال 
عطاء   : العهد حبل الله  . 
7640 - حدثني 
يونس  قال : أخبرنا 
ابن وهب  قال : قال 
ابن زيد  في قوله : " 
أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس  " ، قال : إلا بعهد ، وهم يهود . قال : والحبل العهد . قال : وذلك قول 
أبي الهيثم بن التيهان  لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتته 
الأنصار  في 
العقبة   : "أيها الرجل ، إنا قاطعون فيك حبالا بيننا وبين الناس " ، يقول : عهودا ، قال : 
واليهود  لا يأمنون في أرض من أرض الله إلا بهذا الحبل الذي قال الله عز وجل . وقرأ : ( 
وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة  ) [ سورة آل عمران : 55 ] ، قال : فليس بلد فيه أحد من 
النصارى  إلا وهم فوق يهود في شرق ولا غرب ، هم في البلدان كلها مستذلون ، قال الله : ( 
وقطعناهم في الأرض أمما  )  
[ ص: 113 ]  [ سورة الأعراف : 168 ] ، يهود  . 
7641 - حدثت عن 
الحسين ،  قال : سمعت 
أبا معاذ  قال : حدثنا 
عبيد بن سليمان  قال : سمعت 
الضحاك  في قوله : " 
إلا بحبل من الله وحبل من الناس  " ، يقول : بعهد من الله وعهد من الناس  . 
7642 - حدثني 
يحيى بن أبي طالب  قال : أخبرنا 
يزيد  قال : أخبرنا 
جويبر ،  عن 
الضحاك ،  مثله . 
قال 
أبو جعفر   : واختلف أهل العربية في المعنى الذي جلب "الباء " في قوله : " 
إلا بحبل من الله وحبل من الناس  " ، فقال بعض نحويي 
الكوفة   : الذي جلب "الباء " في قوله : "بحبل " ، فعل مضمر قد ترك ذكره . قال : ومعنى الكلام : ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا ، إلا أن يعتصموا بحبل من الله فأضمر ذلك ، واستشهد لقوله ذلك بقول الشاعر : 
رأتني بحبليها فصدت مخافة وفي الحبل روعاء الفؤاد فروق 
وقال : أراد : أقبلت بحبليها ، وبقول الآخر :  
[ ص: 114 ]     حنتني حانيات الدهر حتى 
كأني خاتل أدنو لصيد     قريب الخطو يحسب من رآني 
ولست مقيدا ، أني بقيد 
فأوجب إعمال فعل محذوف ، وإظهار صلته وهو متروك . وذلك في مذاهب العربية ضعيف ، ومن كلام العرب بعيد . وأما ما استشهد به لقوله من الأبيات ، فغير دال على صحة دعواه ، لأن في قول الشاعر : "رأتني بحبليها " ، دلالة بينة في أنها رأته بالحبل ممسكا ، ففي إخباره عنها أنها "رأته بحبليها " ، إخبار منه أنها رأته ممسكا بالحبلين . فكان فيما ظهر من الكلام مستغنى عن ذكر "الإمساك " ، وكانت "الباء " صلة لقوله : "رأتني " ، كما في قول القائل : "أنا بالله " ، مكتف بنفسه ، ومعرفة السامع معناه ، أن تكون "الباء " محتاجة إلى كلام يكون لها جالبا غير الذي ظهر ، وأن المعنى : "أنا بالله مستعين " .  
[ ص: 115 ] 
وقال بعض نحويي 
البصرة ،  قوله : " 
إلا بحبل من الله  " استثناء خارج من أول الكلام . قال : وليس ذلك بأشد من قوله : ( 
لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما  ) [ سورة مريم : 62 ] 
وقال آخرون من نحويي 
الكوفة   : هو استثناء متصل ، والمعنى : ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا ، أي : بكل مكان إلا بموضع حبل من الله ، كما تقول : ضربت عليهم الذلة في الأمكنة إلا في هذا المكان . 
وهذا أيضا طلب الحق فأخطأ المفصل . وذلك أنه زعم أنه استثناء متصل ، ولو كان متصلا كما زعم ، لوجب أن يكون القوم إذا ثقفوا بحبل من الله وحبل من الناس غير مضروبة عليهم المسكنة . وليس ذلك صفة 
اليهود ،  لأنهم أينما ثقفوا بحبل من الله وحبل من الناس ، أو بغير حبل من الله عز وجل وغير حبل من الناس ، فالذلة مضروبة عليهم ، على ما ذكرنا عن أهل التأويل قبل . فلو كان قوله : " 
إلا بحبل من الله وحبل من الناس  " ، استثناء متصلا لوجب أن يكون القوم إذا ثقفوا بعهد وذمة أن لا تكون الذلة مضروبة عليهم . وذلك خلاف ما وصفهم الله به من صفتهم ، وخلاف ما هم به من الصفة ، فقد تبين أيضا بذلك فساد قول هذا القائل أيضا . 
قال 
أبو جعفر   : ولكن القول عندنا أن "الباء " في قوله : " 
إلا بحبل من الله  " ، أدخلت لأن الكلام الذي قبل الاستثناء مقتض في المعنى "الباء " . وذلك أن معنى قوله : " 
ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا  " ضربت عليهم الذلة بكل مكان ثقفوا ثم قال : " 
إلا بحبل من الله وحبل من الناس  " على غير وجه الاتصال بالأول ، ولكنه على الانقطاع عنه . ومعناه : ولكن يثقفون بحبل من الله وحبل من الناس ،  
[ ص: 116 ] كما قيل : ( 
وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ  ) [ سورة النساء : 92 ] ، فالخطأ وإن كان منصوبا بما عمل فيما قبل الاستثناء ، فليس قوله باستثناء متصل بالأول بمعنى : "إلا خطأ " ، فإن له قتله كذلك ولكن معناه : ولكن قد يقتله خطأ . فكذلك قوله : " 
أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وإن كان الذي جلب "الباء " التي بعد "إلا " الفعل الذي يقتضيها قبل "إلا " ، فليس الاستثناء بالاستثناء المتصل بالذي قبله ، بمعنى : أن القوم إذا لقوا ، فالذلة زائلة عنهم ، بل الذلة ثابتة بكل حال . ولكن معناه ما بينا آنفا .